نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ} (6)

ولما كان ذلك خالعاً للقلوب ، وكان الإنسان إذا اعتقد البعث قد يقول{[72024]} تهاوناً ببعض المعاصي : المرجع إلى كريم ولا يفعل بي إلا خيراً ، أنتج قوله منادياً بأداة البعد لأن أكثر الخلق مع ذلك معرض ، منكراً سبحانه وتعالى على من يقول هذا اغتراراً بخدع الشيطان إنكاراً يهد الأركان : { يا أيها الإنسان } أي البشر الآنس{[72025]} بنفسه الناسي لما يعنيه { ما غرك } أي أدخلك في الغرة ، وهي أن ترى فعلك{[72026]} القبيح حسناً أو ترى أنه يعفى عنك لا محالة ، وذلك بمعنى قراءة سعيد بن جبير والأعمش : أغرك - بهمزة الإنكار ، وتزيد المشهورة معنى التعجب { بربك } أي المحسن إليك الذي أنساك{[72027]} إحسانه ما خلقت له من خلاص نفسك بعمل ما شرعه لك .

ولما كان التعبير بالرب مع دلالته على الإحسان{[72028]} يدل على الانتقام عند الإمعان في الإجرام لأن ذلك شأن المربي ، فكان ذلك مانعاً من الاغترار لمن تأمل ، أتبعه ما هو كذلك أيضاً ظاهره لطف وباطنه جبروت وقهر ، فقال للمبالغة في المنع عن الاغترار ، { الكريم * } أي الذي له الكمال كله المقتضي لئلا يهمل الظالم {[72029]}بل يمهله{[72030]} ، ولا يسوي بين المحسن والمسيء والموالي والمعادي والمطيع والعاصي ، المقتضي لأن يبالغ في التقرب إليه بالطاعة شكراً له ، وأن لا يعرض أحد عنه لأن بيده كل شيء ولا شيء بيد غيره ، فيجب أن يخشى شدة بطشه لأنه كذلك يكون المتصف بالكرم لا يكون إلا عزيزاً ، فإنه يكون شديد الحلم عظيم السطوة عند انتهاك حرمته بعد ذلك الحلم فإنه يجد أعواناً كثيرة على مراده ، ولا يجد المعاقب عذراً في تقصيره بخلاف اللئيم فإنه لا يجد أعواناً فلا يشتد أخذه ، فصار-{[72031]} الإنكار بواسطة هذين الوصفين أشد وأغلظ من هذه الجهة ، ومن جهة أنه كان ينبغي أن يستحيي من المحسن الذي لا تكدير في إحسانه بوجه ، فلا يعصى له أمر ولا يفرط له-{[72032]} في حق ، ومع ذلك ففي ذكر هذين الوصفين تلقين الحجة ، قال أبو بكر الوراق : لو سألني لقلت : غرني كرم الكريم {[72033]}وحلمه{[72034]} ، وقال علي رضي الله عنه : من كرم الرجل سوء أدب غلمانه ، وقال الإمام الغزالي في شرحه للأسماء : هو الذي إذا قدر عفا ، وإذا وعد وفى ، وإذا أعطى زاد على منتهى{[72035]} الرجا ، ولا يبالي {[72036]}لمن أعطى ولا كم أعطى{[72037]} ، وإذا رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى ، وإذا جفى عاتب وما استقصى ، ولا يضيع من لاذ به وإليه التجأ ، ويغنيه عن الوسائل والشفعاء .


[72024]:من ظ، وفي الأصل و م: يقال.
[72025]:من م، وفي الأصل و ظ: الأنسى.
[72026]:من ظ و م، وفي الأصل: تغلك-كذا.
[72027]:زيد في الأصل: كثرة، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72028]:من ظ و م، وفي الأصل: الإنسان.
[72029]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72030]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72031]:زيد من ظ و م.
[72032]:زيد من م.
[72033]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72034]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72035]:من ظ و م، وفي الأصل: مشتهى.
[72036]:في ظ: كم أعطى ولا لمن أعطى.
[72037]:في ظ: كم أعطى ولا لمن أعطى.