غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ} (6)

1

ولما أخبر عن وقوع الساعة والحشر بين ما يدل عليه عقلاً فقال : { يا أيها الإنسان } هو الكافر المنكر للبعث عند طائفة لقوله بعد ذلك { كلا بل تكذبون } وقد يخص ببعضهم فروي عن ابن عباس أنها نزلت في الوليد بن المغيرة . وعن الكلبي ومقاتل في الأشد بن كلدة . وذلك أنه ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعاقبه الله تعالى وأنزل الآية . والأقرب أنها تتناول جميع العصاة وخصوص السبب لا يقدح في العموم ، وهاهنا سؤال وهو أنه تعالى وصف نفسه في هذا المقام بالكرم وهذا الوصف يقتضي الاغترار به حتى قالت العقلاء : من كرم الرجل سوء أدب غلمانه . وسمع الموبذ في مجلس أنوشروان ضحك الخدم فقال : أما يهاب هؤلاء الغلمان . فقال : إنما يهابنا أعداؤنا . وعن علي رضي الله عنه أنه دعا غلامه مرات فلم يجبه فنظر فإذا هو بالباب فقال لم لم تجبني ؟ فقال : لثقتي بتحملك وأمني من عقوبتك فاستحسن جوابه فأعتقه . " قال مؤلف الكتاب " : إني في عنفوان الشباب رأيت فيما يرى النائم أن القيامة قد قامت وقد دار في خلدي أن الله تعالى لو خاطبني بقوله { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك } فمادّا أقول ؟ ألهمني الله في المنام أن أقول : غرني كرمك يا رب . ثم إني وجدت هذا المعنى قد ذكر في بعض التفاسير . وعن الفضيل بن عياض أنه قال : أقول في الجواب غرتني ستورك المرخاة . وإذا ثبت أن الكرم يقتضي أن يغتر بصاحبه فكيف وقع الإنكار عليه ؟ والجواب من وجهين : الأول أن كل كريم فهو حكيم لأن إيصال النعم إلى الغير لو لم يكن مبنياً على داعية الحكمة كان تبذيراً لا كرماً فكأنه سبحانه قال : كيف اغتررت بكرمي وكرمي حقيقي صادر عن الحكمة وهي تقتضي أن لا يهمل وإن أمهل ، وأن ينتقم للمظلوم من الظالم ولو بعد حين ، وأن يعيد الناس لأجل المجازاة حتى يظهر المحسن من المسيء والبر من الفاجر لا يضيع حقوق الناس ؟ .

والحاصل أن الكرم بالخلق والتسوية وهي انتصاب القامة أو سلامة الأعضاء ، وبالتعديل وهو تناسبها أو جعله مستعدّاً لقبول الكمالات لا يقتضي أن لا يعيده إلى الحالة الأولى لأجل المجازاة ، بل يجب أن يعيده تتميماً للنعمة وإظهاراً للحكمة .

الثاني أن كرمه السابق بالخلق وغيره لا يوجب كرماً لاحقاً بالعفو والغفران لجميع المعاصي لأن غاية الكرم هو أن يبتدئ بالنعم من غير عوض ولا غرض ، أما الكريم إذا أمر المنعم عليه بشيء وإنه يتلقاه بالعصيان فليس من الكرم أن يغمض عن جرمه بل قد يعدّ ذلك ضعفاً وذلة ولاسيما إذا كان المأمور به هو معرفة المنعم ولهذا روي عن عمر مرفوعاً " غره جهله " . وعن الحسن : غره والله شيطانه الخبيث حتى طمع في الكرم اللاحق لأجل الكرم السابق . خصوصاً إذا لم يكن ممن حصل له معرفة ربه في الدنيا .

/خ19