وقوله تعالى : { يا أيها الإنسان } أي : البشر الآنس بنفسه الناسي لما يعنيه خطاب لمنكري البعث . وروى عطاء عن ابن عباس : أنها نزلت في الوليد بن المغيرة . وقال الكلبي ومقاتل : نزلت في أبي الشريق ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعاقبه الله تعالى في أوّل أمره . وقيل : تتناول جميع العصاة لأنّ الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . { ما غرّك بربك } أي : ما خدعك وسوّل لك الباطل حتى تركت ما أوجب عليك المحسن إليك وأتيت بالمحرّمات { الكريم } أي : الذي له الكمال كله المقتضي لأن لا يهمل الظالم ولا يسوى بين المحسن والمسيء ، هذا إذا حملنا الإنسان على جميع العصاة ، فإن حملناه على الكافر وهو ظاهر الآية فالمعنى : ما الذي دعاك إلى الكفر وإنكار الحشر والنشر .
فإن قيل : كونه كريماً يقتضي أن يغترّ الإنسان بكرمه لأنه جواد مطلق ، والجواد الكريم يستوي عنده طاعة المطيع وعصيان المذنب ، وهذا يوجب الاغترار كما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه صيح بغلام له مرّات فلم يلبه ، فنظر فإذا هو بالباب فقال له : لم لا تجيبني ؟ فقال : لثقتي بحلمك وأمني عقوبتك ، فاستحسن جوابه وأعتقه .
وقالوا أيضاً : من كرم ساء أدب غلمانه . وإذا ثبت أنّ كرمه يقتضي الاغترار به فكيف جعله هاهنا مانعاً من الاغترار ؟ أجيب : بأنّ حق الإنسان أن لا يغتر بكرم الله تعالى عليه حيث خلقه حياً ، وتفضل عليه فهو من كرمه لا يعاجل بالعقوبة بسطاً في مدّة التوبة ، وتأخيراً للجزاء إلى أن يجمع الناس للجزاء فالحاصل أنّ تأخير العقوبة لأجل الكرم ، وذلك لا يقتضي الاغترار بهذا التفضيل فإنه منكر خارج عن حدّ الحكمة ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تلاها : «غرّه جهله » . وقال عمر : غرّه حمقه وجهله . وقال الحسن : غرّه والله شيطانه الخبيث ، أي : زين له المعاصي . وقال له : افعل ما شئت فربك الكريم الذي تفضل عليك بما تفضل به أوّلاً ، وهو متفضل عليك آخراً حتى ورّطه .
وقيل للفضيل بن عياض : إن أقامك الله يوم القيامة وقال لك : { ما غرّك بربك الكريم } ماذا تقول له ؟ قال : أقول غرّني ستورك المرخاة ، وهذا على سبيل الاعتراف بالخطأ في الاغترار بالستر وليس باعتذار كما يظنه الطماع ، ويظنّ به قصاص الحشوية ويروون عن أئمتهم أنما قال { بربك الكريم } دون سائر صفاته ليلقن عبده الجواب حتى يقول : غرّني كرم الكريم . وقال مقاتل : غرّه عفو الله حيث لم يعاقبه أوّل مرّة . وقال السدي : غرّه رفق الله تعالى به . وقال قتادة : سبب غرور ابن آدم تسويل الشيطان . وقال ابن مسعود : ما منكم من أحد إلا سيخلو الله تعالى به يوم القيامة فيقول : ما غرّك بي يا ابن آدم ؟ ماذا عملت فيما علمت ؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.