فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ} (6)

ولما أخبر سبحانه في الآية الأولى عن وقوع الحشر والنشر ذكر في هذه الآية ما يدل عقلا على وقوعه فقال : { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم } هذا خطاب للكفار وقال بعضهم المراد بالإنسان ما يشمل الكافر والمؤمن العاصي ، قال الشهاب وهذا أرجح كما في الكشف وغيره .

والمعنى ما الذي غرك وخدعك أو جعلك غارا حتى كفرت بربك الكريم الذي تفضل عليك في الدنيا بإكمال خلقك وحواسك وجعلك عاقلا فاهما ورزقك وأنعم عليك بنعمه التي لا تقدر على جحد شيء منها ، قال قتادة غره شيطانه المسلط عليه ، وقال الحسن غره شيطانه الخبيث وقيل غره حمقه وجهله .

وقيل غره عفو الله إذ لم يعاجله بالعقوبة أول مرة كذا قال مقاتل ، وذكر الكريم للمبالغة في المنع من الاغترار ، فإن محض الكرم لا يقتضي إهمال الظالم وتسوية الموالي والمعادي والمطيع والعاصي ، فكيف إذا انضم إليه صفة القهر والانتقام والإشعار بما به يغره الشيطان فإنه يقول له افعل ما شئت فربك كريم لا يعذب أحدا ولا يعاجل بالعقوبة ، والدلالة على أن كثرة كرمه تستدعي الجد في طاعته لا الانهماك في عصيانه اغترارا بكرمه ، وعن عمر بن الخطاب أنه قرأ هذه الآية وقال : غره والله جهله .