معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّي مَلَكٌۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} (50)

قوله تعالى : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله } ، نزل حين اقترحوا الآيات فأمره أن يقول لهم : { لا أقول لكم عندي خزائن الله } ، أي خزائن رزقه فأعطيكم ما تريدون .

قوله تعالى : { ولا أعلم الغيب } ، فأخبركم بما غاب مما مضى ومما سيكون .

قوله تعالى : { ولا أقول لكم إني ملك } ، قال ذلك لأن الملك يقدر على مالا يقدر عليه الآدمي ، ويشاهد ما لا يشاهده الآدمي ، يريد : لا أقول لكم شيئاً من ذلك فتنكرون قولي ، وتجحدون أمري .

قوله تعالى : { إن أتبع إلا ما يوحى إلي } ، أي : ما آتيكم به ، فمن وحي الله تعالى ، وذلك غير مستحيل في العقل مع قيام الدليل والحجج البالغة .

قوله تعالى : { قل هل يستوي الأعمى والبصير } قال قتادة : الكافر والمؤمن ، وقال مجاهد : الضال والمهتدي : وقيل : الجاهل والعالم .

قوله تعالى : { أفلا تتفكرون } ، أي : أنهما لا يستويان .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّي مَلَكٌۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} (50)

{ 50 } { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ }

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ؛ المقترحين{[289]}  عليه الآيات ، أو القائلين له : إنما تدعونا لنتخذك إلها مع الله . { وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ } أي : مفاتيح رزقه ورحمته . { وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ } وإنما ذلك كله عند الله فهو الذي ما يفتح للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ، وهو وحده عالم الغيب والشهادة . فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول .

{ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ } فأكون نافذ التصرف قويا ، فلست أدعي فوق منزلتي ، التي أنزلني الله بها . { إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ } أي : هذا غايتي ومنتهى أمري وأعلاه ، إن أتبع إلا ما يوحى إلي ، فأعمل به في نفسي ، وأدعو الخلق كلهم إلى ذلك .

فإذا عرفت منزلتي ، فلأي شيء يبحث الباحث معي ، أو يطلب مني أمرا لست أدعيه ، وهل يلزم الإنسان ، بغير ما هو بصدده ؟ .

ولأي شيء إذا دعوتكم ، بما أوحي إلي أن تلزموني أني أدعي لنفسي غير مرتبتي . وهل هذا إلا ظلم منكم ، وعناد ، وتمرد ؟ قل لهم في بيان الفرق ، بين من قبل دعوتي ، وانقاد لما أوحي إلي ، وبين من لم يكن كذلك { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ } فتنزلون الأشياء منازلها ، وتختارون ما هو أولى بالاختيار والإيثار ؟


[289]:- زاد هنا في طبعة السلفية قبل كلمة المقترحين: (أن يخاطب) المقترحين.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّي مَلَكٌۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} (50)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُل لاّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلآ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلآ أَقُولُ لَكُمْ إِنّي مَلَكٌ إِنْ أَتّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَىَ إِلَيّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَىَ وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكّرُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : قل لهؤلاء المنكرين نبوّتك : لست أقول لكن إني الربّ الذي له خزائن السموات والأرض وأعلم غيوب الأشياء الخفية التي لا يعلمها إلاّ الربّ الذي لا يخفى عليه شيء ، فتكذّبوني فيم أقول من ذلك لأنه لا ينبغي أن يكون ربّا إلاّ من له ملك كلّ شيء وبيده كلّ شيء ومن لا يخفى عليه خافية ، وذلك هو الله الذي لا إله غيره . وَلا أقُولُ لَكُمْ إنّي مَلَكٌ لأنّه لا ينبغي لملك أن يكون ظاهرا بصورته لأبصار البشر في الدنيا ، فتجحدوا ما أقول لكم من ذلك . إنْ أتّبِعُ إلاّ ما يُوحَى إليّ يقول : قل لهم : ما أتبع فيما أقول لكم وأدعوكم إليه إلاّ وحي الله الذي يوحيه إليّ وتنزيله الذي ينزله عليّ ، فأمضي لوحيه وأئتمر لأمره ، وقد أتيتكم بالحجج القاطعة من الله عذركم على صحة قولي في ذلك ، وليس الذي أقول من ذلك بمنكر في عقولكم ولا مستحيل كونه بل ذلك مع وجود البرهان على حقيقته هو الحكمة البالغة ، فما وجه إنكاركم لذلك ؟ وذلك تنبيه من الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على موضع حجته على منكري نبوّته من مشركي قومه . قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهم : هل يستوي الأعمى عن الحقّ والبصير به ؟ والأعمى هو الكافر الذي قد عمى عن حجج الله فلا يتبينها فيتبعها . والبصير : المؤمن الذي قد أبصر آيات الله وحججه فاقتدى بها واستضاء بضيائها . أفَلا تَتَفَكّرُونَ يقول لهؤلاء الذي كذّبوا بآيات الله : أفلا تتفكرون فيما أحتجّ عليكم به أيها القوم من هذه الحجج ، فتعلموا صحة ما أقول وأدعوكم إليه من فساد ما أنتم عليه مقيمون من إشراك الأوثان والأنداد بالله ربكم وتكذيبكم إياي ، مع ظهور حجج صدقي لأعينكم ، فتَدَعُوا ما أنتم عليه من الكفر مقيمون إلى ما أدعوكم إليه من الإيمان الذي به تفوزون ؟

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ قال : الضالّ والمهتدى .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ . . . الاَية قال : الأعمى : الكافر الذي قد عمي عن حقّ الله وأمره ونعمه عليه والبصير : العبد المؤمن الذي أبصر بصرا نافعا ، فوحد الله وحده ، وعمل بطاعة ربه ، وانتفع بما آتاه الله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّي مَلَكٌۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} (50)

هذا من الرد على القائلين لولا أنزل عليه آية والطالبين أن ينزل ملك أو تكون له جنة أو أكثر أو نحو هذا ، والمعنى : لست بهذه الصفات فيلزمني أن أجيبكم باقتراحاتكم ، وقوله { لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب } يحتمل معنيين أظهرهما أن يريد أنه بشر لا شيء عنده من خزائن الله ولا من قدرته ولا يعلم شيئاً مما غيب عنه ، والآخر أنه ليس بإله فكأنه قال :لا أقول لكم إني أتصف بأوصاف إله في أن عندي خزائنه وأني أعلم الغيب ، وهذا هو قول الطبري ، وتعطي قوة اللفظ في هذه الآية أن الملك أفضل من البشر ، وليس ذلك بلازم من هذا الموضع ، وإنما الذي يلزم منه أن الملك أعظم موقعاً في نفوسهم وأقرب إلى الله ، والتفضيل يعطيه المعنى عطاء خفياً وهو ظاهر من آيات أُخر ، وهي مسألة خلاف{[4923]} ، و { ما يوحى } يريد القرآن وسائر ما يأتي به الملك ، أي وفي ذلك عبر وآية لمن تأمل ونظر ، وقوله تعالى { قل هل يستوي } الآية ، أي قل لهم إنه لا يستوي الناظر المفكر في الآيات أو المعرض الكافر المهمل للنظر ، فالأعمى والبصير مثالان للمؤمن والكافر ، أي ففكروا أنتم وانظروا وجاء الأمر بالفكرة في عبارة العرض والتحضيض .


[4923]:- احتج من فضل الملائكة بأنهم: {عباد مكرمون} و{لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} و{لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون}- وبآيتنا هذه: {ولا أقول لكم إني ملك} وبما ورد في البخاري: يقول الله عز وجل: "من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم"- واحتج من فضّل بني آدم بقوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريئة} بالهمز، من: برأ الله الخلق، وبما جاء في أحاديث من أن الله تعالى يُباهي بأهل عرفات الملائكة. وقال بعض العلماء: لا طريق إلى القطع برأي في ذلك لأن طريق ذلك خبر الله تعالى وخبر رسوله أو إجماع الأمة، وليس هاهنا شيء من ذلك. وهناك من يفرق بين الأنبياء والأولياء من البشر ومن الملائكة وبين سائر الناس. والله أعلم.