فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّي مَلَكٌۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} (50)

أمره الله سبحانه بأن يخبرهم لما كثر اقتراحهم عليه وتعنتهم بإنزال الآيات التي تضطرهم إلى الإيمان ، أنه لم يكن عنده خزائن الله حتى يأتيهم بما اقترحوه من الآيات ، والمراد خزائن قدرته التي تشتمل على كل شيء من الأشياء ويقول لهم : إنه لا يعلم الغيب حتى يخبرهم به ويعرّفهم بما سيكون في مستقبل الدهر { وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنّي مَلَك } حتى تكلفوني من الأفعال الخارقة للعادة مالا يطيقه البشر . وليس في هذا ما يدل على أن الملائكة أفضل من الأنبياء . وقد اشتغل بهذه المفاضلة قوم من أهل العلم ، ولا يترتب على ذلك فائدة دينية ولا دنيوية . بل الكلام في مثل هذا من الاشتغال بما لا يعني ، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ } أي ما أتبع إلا ما يوحيه الله إليّ . وقد تمسك بذلك من لم يثبت اجتهاد الأنبياء عملاً بما يفيده القصر في هذه الآية ، والمسألة مدوّنة في الأصول والأدلة عليها معروفة . وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أوتيت القرآن ومثله معه » { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير } هذا الاستفهام للإنكار ، والمراد : أنه لا يستوي الضالّ والمهتدي ، أو المسلم الكافر أو من اتبع ما أوحي إليه ومن لم يتبعه ، والكلام تمثيل : { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } في ذلك حتى تعرفوا عدم الاستواء بينهما ، فإنه بين لا يلتبس على من له أدنى عقل ، وأقلّ تفكر .

/خ55