غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّي مَلَكٌۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} (50)

38

ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينفي عن نفسه أموراً ثلاثة فقال { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله } وهي جمع خزانة للمكان الذي يخزن فيه الشيء ، وخزن الشيء إحرازه بحيث لا تناله الأيدي { ولا أعلم الغيب } قال في الكشاف : محله النصل عطفاً على محل قوله { عندي خزائن الله } لأنه من جملة المقول أي لا أقول لكم ذاك ولا هذا . قلت : ويحتمل أن يكون عطفاً على { لا أقول } أي قل لا أعلم الغيب فيكون فيه دلالة على أن الغيب بالاستقلال لا يعلمه إلا الله بخلاف كون خزائن الله عنده وكونه ملكاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون له هذه المقامات ولكن لا يظهرها . واختلف المفسرون في فائدة نفي هذه الأمور فقيل : المراد إظهار التواضع والخضوع لله تعالى والاعتراف بعبوديته حتى لا يعتقد فيه مثل اعتقاد النصارى في المسيح عليه السلام . وقيل : المقصود إبداء العجز والضعف وأنه لا يستقل بإيجاد المعجزات التي كانوا يقترحونها كقولهم { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } إلى قوله { هل كنت إلا بشراً رسولاً } [ الإسراء : 93 ] وقيل : أي لا أدّعي سوى النبوّة والرسالة ولا أدّعي الإلهية ولا الملكية وإنما زيد هاهنا { لكم } بخلاف سورة هود حيث قال { ولا أقول إني ملك } [ الآية : 31 ] لأنه تقدم ذكر لكم في قوله { إني لكم نذير } [ هود : 25 ] فاكتفى بذلك . قال الجبائي : في الآية دلالة على أن الملك أفضل إذ المراد لا أدّعي فوق منزلتي . قال القاضي : إن كان الغرض التواضع فالأقرب أن ذلك يدل على أن الملك أفضل ، وإن كان المراد نفي قدرته عن أفعال لا يقوى عليها إلا الملائكة لم يدل على أفضلية الملائكة . { إن أتبع إلا ما يوحى إلي } قيل : هذا النص يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يحكم من تلقاء نفسه بالاجتهاد في شيء من الأحكام ، ولا يجوز لأحد من أمته أن يعمل إلا بالوحي النازل عليه لقوله تعالى { فاتبعوه } [ الأنعام : 153 ] فلا يجوز العمل بالقياس ، وأكد هذا الحكم بقوله { قل هل يستوي الأعمى والبصير } وذلك أن العمل بغير الوحي يجري مجرى عمل الأعمى ، والعمل بمقتضى الوحي يقوم عمل البصير . ثم قال { أفلا تتفكرون } تنبيهاً على أنه يجب على العاقل أن يعرف الفرق بين هذين . وأجيب بأن أصل الاجتهاد والقياس إذا كان بالوحي لم يلزم الضلالة ، والآية مثل للضال والمهتدي أو لمن ادعى المستقيم وهو النبوة والمحال وهو الإلهية والملكية { أفلا تتفكرون } فلا تكونوا ضالين كالعميان ، أو فتعلموا أني ما ادعيت سوى ما يليق بالبشر والله تعالى أعلم وأحكم .

/خ50