النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّي مَلَكٌۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} (50)

قوله عز وجل : { قُل لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزآئِنُ اللَّهِ } فيه وجهان :

أحدهما : الرزق ، أي لا أقدر على إغناء فقير ، ولا إفقار غني ، قاله الكلبي .

والثاني : مفاتيح خزائن العذاب لأنه خَوَّفهُم منه ، فقالوا متى يكون هذا ؟ قاله مقاتل .

{ وَلاَ أَعْلَمُ الغَيْبَ } فيه وجهان :

أحدهما : علم الغيب في نزول العذاب عليهم متى يكون ؟ ، قاله مقاتل .

والثاني : علم جميع ما غاب من ماض ومستقبل ، إلا أن المستقبل لا يعلمه إلا الله أو من أطلعه الله تعالى على علمه من أنبيائه ، وأما الماضي فقد يعلمه المخلوقون من أحد الوجهين : إما من معاينة أو خبر ، والخبر قد يكون من وجهين : إما من مخلوق عاين أو خالق أخبر ، فإن كان الإِخبار عن مستقبل ، فهو من آيات الله المعجزة ، وإن كان عن ماض فإن علم به غير المخبر والمخبر لم يكن معجزاً ، وإن لم يعلم به أحد وعلم به المخبِر وحده كان معجزاً ، فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه علم الغيب ، لأنه لا يعلمه غير الله تعالى ، وإن ما أخبر به من غيب فهو عن الله ووحيه .

{ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ } فيه وجهان :

أحدهما : أنه يريد أنه لا يقدر على ما يعجز عنه العباد ، وإن قدرت عليه الملائكة .

والثاني : أنه يريد بذلك أنه من جملة البشر وليس بمَلَك ، لينفي عن نفسه غُلُوَّ النصارى في المسيح وقولهم : إنه ابن الله .

ثم في نفيه أن يكون ملكاً وجهان :

أحدهما : أنه بَيَّنَ بذلك فضل الملائكة على الأنبياء ، لأنه دفع عن نفسه منزلة ليست له .

والثاني : أنه أراد أني لست ملكاً في السماء ، فأعلم غيب السماء الذي تشاهده الملائكة ويغيب عن البشر ، وإن كان الأنبياء أفضل من الملائكة مع غيبهم عما تشاهده الملائكة .

{ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ } يحتمل وجهين :

أحدهما : أن أخبركم إلا بما أخبرني الله به .

والثاني : إن أفعل إلا ما أمرني الله به .

{ قُل هَل يَسْتَوِي الأعْمَى وَالبَصِيرُ } يحتمل وجهين :

أحدهما : الجاهل والعالم .

والثاني : الكافر والمؤمن .

{ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } يحتمل وجهين : أحدهما : فيما ضربه الله من مثل الأعمى والبصير .

الثاني : فيما بينه من آياته الدالة على توحيده وصدق رسوله .