التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّي مَلَكٌۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} (50)

{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ( 50 ) } [ 50 ] .

أمرت الآية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يعلن أنه لا يزعم لنفسه أنه يملك خزائن الله أو يعلم الغيب أو أنه ملك ، وإنما هو رسول أرسله الله للتبشير والدعوة ولا يقول ما يقول ويفعل ما يفعل إلا وفقا لوحي الله ، وبأن يسأل الكفار سؤال استنكار وتبكيت عما إذا كان يستوي الأعمى والبصير ، بأن يندد بهم لأنهم لا يتفكرون في الأمور .

ولقد عزا الطبري إلى مجاهد وغيره تأويل الكافر والمؤمن والضال والمهتدي لكلمتي الأعمى والبصير . والمقام قد يتحمل ذلك وإن كان احتمال حقيقة العمى والإبصار فيه أقوى ورودا فيما روي على سبيل التمثيل والمقارنة .

تعليق على آية

{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ }

والآية متصلة بالسياق اتصال تعقيب وتوضيح كما هو المتبادر وضمير الجمع المخاطب فيها عائد إلى الكفار المشركين موضوع الآيات السابقة التي حكت مواقفهم وتحديهم ونددت بهم وأنذرتهم . وهي قوية رائعة نافذة في تقريرها طبيعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم البشرية ومهمته التبشيرية والإنذارية وفي أمرها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يقول إنه ليس ملكا ، وليس عالما بالغيب وليس ملكا لخزائن الله وبأن ليس له إلا أن يقف عند حدود ما يوحى إليه به . وقد سبق تقرير ذلك وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله في سورتي الأعراف ويونس .

ولقد رأينا المفسر الخازن يقول في سياق تفسيره للآية : إن النبي صلى الله عليه وآله سلم إنما نفى عن نفسه ما نفاه تواضعا لله واعترافا بالعبودية له . وهو قول غريب ، وقد غفل المفسر عن أن ما نفاه عن نفسه هو حقيقة منبثقة من طبيعة النبي البشرية التي قررها القرآن مرة بعد أخرى ، وعن أن الله تعالى هو الذي أمره بقول ذلك ، وليس الكلام من النبي مباشرة ، وهذا لا يمنع من القول بأن موقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ولا شك رائعا أخاذا حينما نفذ أمر الله تعالى فأعلن للناس جميعهم المؤمنين منهم والمشركين على السواء ما أمر بنفيه عن نفسه .