معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ} (43)

{ خاشعةً أبصارهم } وذلك أن المؤمنين يرفعون رؤوسهم من السجود ووجوههم أشد بياضاً من الثلج ، وتسود وجوه الكافرين والمنافقين ، { ترهقهم ذلة } يغشاهم ذل الندامة والحسرة ، { وقد كانوا يدعون إلى السجود } قال إبراهيم التيمي : أي إلى الصلاة المكتوبة بالأذان والإقامة وقال سعيد بن جبير : كانوا يسمعون حي على الصلاة حي على الفلاح فلا يجيبون ، { وهم سالمون } أصحاء فلا يأتونه ، قال كعب الأحبار : والله ما نزلت هذه الآية إلا عن الذين يتخلفون عن الجماعات .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ} (43)

وهذا الجزاء من جنس عملهم ، فإنهم كانوا يدعون في الدنيا إلى السجود لله وتوحيده وعبادته وهم سالمون ، لا علة فيهم ، فيستكبرون عن ذلك ويأبون ، فلا تسأل يومئذ عن حالهم وسوء مآلهم ، فإن الله قد سخط عليهم ، وحقت عليهم كلمة العذاب ، وتقطعت أسبابهم ، ولم تنفعهم الندامة ولا الاعتذار يوم القيامة ، ففي هذا ما يزعج القلوب عن المقام على المعاصي ، و[ يوجب ] التدارك مدة الإمكان . ولهذا قال تعالى{ فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ} (43)

وقوله : خاشِعَةً أبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ يقول : تغشاهم ذلة من عذاب الله وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ يقول : وقد كانوا في الدينا يدعونهم إلى السجود له ، وهم سالمون ، لا يمنعهم من ذلك مانع ، ولا يحول بينه وبينهم حائل . وقد قيل : السجود في هذا الموضع : الصلاة المكتوبة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم التيميّ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ قال : إلى الصلاة المكتوبة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن سعيد بن جبير وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ قال : يَسْمَعُ المناديَ إلى الصلاة المكتوبة فلا يجيبه .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن إبراهيم التيميّ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ قال : الصلاة المكتوبة .

وبنحو الذي قلنا في قوله وَيُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ . . . الاَية ، قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ وَهُمْ سالِمُون قال : هم الكفار كانوا يدعون في الدنيا وهم آمنون ، فاليوم يدعوهم وهم خائفون ، ثم أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والاَخرة ، فأما في الدنيا فإنه قال ما كانُوا يسْتَطيعُون السّمْعَ ومَا كانُوا يُبْصِرُونَ وأما في الاَخرة فإنه قال : فَلا يَسْتَطِيعُونَ خاشِعَة أبْصَارُهُمْ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَيُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ذلكم والله يوم القيامة . ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «يُؤْذَنُ للْمُؤْمِنينَ يَوْمَ القِيامَةِ في السّجُودِ ، فَيَسْجُدُ المُؤْمِنُونَ ، وَبَينَ كُلّ مُؤْمِنَيْنِ مُنافقٌ ، فَيَقْسُو ظَهْرُ المُنافِقِ عَنْ السّجُودِ ، ويَجْعَلُ اللّهُ سُجُودَ المُؤْمِنينَ عَلَيْهِمْ تَوْبِيخا وَذُلاّ وَصَغارا ، وَنَدَامَةً وَحَسْرَةً » .

وقوله : وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ أي في الدنيا وَهُمْ سالِمُونَ : أي في الدنيا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغني أنه يُؤْذَن للمؤمنين يوم القيامة في السجود بين كل مؤمنين منافق ، يسجد المؤمنون ، ولا يستطيع المنافق أن يسجد وأحسبه قال : تقسو ظهورهم ، ويكون سجود المؤمنين توبيخا عليهم ، قال : وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ وَهُم سالِمُونَ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ} (43)

خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة تلحقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود في الدنيا أو زمان الصحة وهم سالمون متمكنون منه مزاحوا العلل فيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ} (43)

و : { خاشعة } نصب على الحال وجوارحهم كلها خاشعة ، أي ذليلة ولكنه خص الأبصار بالذكر لأن الخشوع فيها أبين منه في كل جارحة . وقوله تعالى : { ترهقهم ذلة } أي تزعج نفوسهم وتظهر عليهم ظهوراً يخزيهم ، وقوله تعالى : { وقد كانوا يدعون إلى السجود } يريد في دار الدنيا وهم سالمون مما نال عظام ظهورهم من الاتصال والعتو ، وقال بعض المتأولين : { السجود } هنا عبارة عن جميع الطاعات ، وخص { السجود } بالذكر من حيث هو عظم الطاعات ، ومن حيث به وقع امتحانهم في الآخرة ، وقال إبراهيم التيمي{[11264]} والشعبي : أراد ب { السجود } الصلوات المكتوبة ، وقال ابن جبير : المعنى كانوا يسمعون النداء للصلاة : وحي على الفلاح فلا يجيبون ، وفلج الربيع بن خيثم{[11265]} : فكان يهادي بين رجلين إلى المسجد ، فقيل له : إنك لمعذور ، فقال : من سمع حي على الفلاح ، فليجب ولو حبواً ، وقيل لابن المسيب : إن طارقاً يريد قتلك فاجلس في بيتك ، فقال : أسمع حي على الفلاح فلا أجيب ؟ والله لا فعلت . وهذا كله قريب بعضه من بعض .


[11264]:هو إبراهيم بن سالم بن أبي أمية التميمي، المدني، أبو إسحق المعروف ببردان –بفتح الباء والراء- صدوق، من السادسة، مات سنة ثلاث وخمسين، وهناك إبراهيم بن أدهم ابن منصور العجلي، أبو إسحق البلخي الزاهد، من الطبقة الثامنة، مات سنة اثنتين وستين، إذ يقال له أيضا: التميمي، ولكنا نميل إلى أن المقصود هو الأول.
[11265]:هو الربيع بن خثيم (بضم الخاء وفتح الثاء- وضبطه في الخلاصة "خيثم" بفتح الخاء وسكون الياء وفتح الثاء) بن عائذ بن عبد الله الثوري، أبو يزيد الكوفي، ثقة، عابدا، مخضرم، من الطبقة الثانية، قال له عبد الله بن مسعود: لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك، مات سنة إحدى وستين، وقيل: بل سنة ثلاث وستين. (تقريب التهذيب).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ} (43)

وخشوع الأبصار : هيئة النظر بالعين بذلة وخَوف ، استعير له وصف { خاشعة } لأن الخاشع يكون مطأطئا مختفياً .

و { ترهقهم } : تحل بهم وتقترب منهم بحرص على التمكن منهم ، رَهِقَ من باب فَرِح قال تعالى : { تَرْهَقُها قَتَرة } [ عبس : 41 ] .

وجملة { ترهقهم ذلة } حال ثانية من ضمير { يستطيعون .

وجملة وقد كانوا يُدْعَوْن إلى السجود وهم سالمون } معترضة بين ما قبلها وما تفرع عنها ، أي كانوا في الدّنيا يُدعون إلى السجود لله وحده وهم سالمون من مثل الحالة التي هم عليها في يوم الحشر . والواو للحال وللاعتراض .

وجملة { وهم سالمون } حال من ضمير { يُدعون } أي وهم قادرون لا علة تعوقهم عنه في أجسادهم . والسلامة : انتفاء العلل والأمراض بخلاف حالهم يوم القيامة فإنهم مُلْجَأُون لعدم السجود .