الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ} (43)

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون } قال : هم الكفار كانوا يدعون في الدنيا وهم آمنون فاليوم يدعون وهم خائفون ، ثم أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة ، فأما في الدنيا ، فإنه قال : ما كانوا يستطيعون السمع وهي طاعته ، وما كانوا يبصرون وأما الآخرة فإنه قال : لا يستطيعون خاشعة أبصارهم .

وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال : أخبرنا أن بين كل مؤمنين منافقاً يوم القيامة ، فيسجد المؤمنان وتقسو ظهور المنافقين ، فلا يستطيعون السجود ويزدادون لسجود المؤمنين توبيخاً وحسرة وندامة .

وفي قوله : { وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون } قال : في الصلوات .

وأخرج ابن مردويه عن كعب الحبر قال : والذي أنزل التوراة على موسى والإِنجيل على عيسى والزبور على داود والفرقان على محمد أنزلت هذه الآيات في الصلوات المكتوبات حيث ينادي بهن { يوم يكشف عن ساق } إلى قوله : { وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون } الصلوات الخمس إذا نودي بها .

وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن سعيد بن جبير في قوله : { وقد كانوا يدعون إلى السجود } قال : الصلوات في الجماعات .

وأخرج البيهقي عن ابن عباس في قوله : { وقد كانوا يدعون إلى السجود } قال : الرجل يسمع الأذان فلا يجيب الصلاة .

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يجمع الله الخلائق يوم القيامة ثم ينادي مناد : من كان يعبد شيئاً فليتبعه ، فيتبع كل قوم ما كانوا يعبدون ، ويبقى المسلمون وأهل الكتاب ، فيقال لليهود : ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون الله وموسى ، فيقال لهم : لستم من موسى وليس موسى منكم ، فيصرف بهم ذات الشمال ، ثم يقال للنصارى : ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون الله وعيسى . فيقال لهم : لستم من عيسى وليس عيسى منكم ، ثم يصرف بهم ذات الشمال ، ويبقى المسلمون فيقال لهم : ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون : الله ، فيقال لهم : هل تعرفونه ؟ فيقولون : إن عرّفنا نفسه عرفناه ، فعند ذلك يؤذن لهم في السجود بين كل مؤمنين منافق ، فتقصم ظهورهم عن السجود ، ثم قرأ هذه الآية { ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون } » .