معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

قوله تعالى : { وما يستوي البحران } يعني : العذب والمالح ، ثم ذكرهما فقال : { هذا عذب فرات } طيب ، { سائغ شرابه } أي : جائز في الحلق هنيء ، { وهذا ملح أجاج } شديد الملوحة . وقال الضحاك : هو المر . { ومن كل تأكلون لحماً طرياً } يعني : الحيتان من العذب والمالح جميعاً ، { وتستخرجون حلية } أي : من المالح دون العذب { تلبسونها } يعني اللؤلؤ . وقيل : نسب اللؤلؤ إليهما ، لأنه يكون في البحر الأجاج عيون عذبة تمتزج بالملح فيكون اللؤلؤ من ذلك ، { وترى الفلك فيه مواخر } جواري مقبلة ومدبرة بريح واحدة ، { لتبتغوا من فضله } بالتجارة ، { ولعلكم تشكرون } الله على نعمه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

{ 12 - 14 } { وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }

هذا إخبار عن قدرته وحكمته ورحمته ، أنه جعل البحرين لمصالح العالم الأرضي كلهم ، وأنه لم يسوِّ بينهما ، لأن المصلحة تقتضي أن تكون الأنهار عذبة فراتا ، سائغا شرابها ، لينتفع بها الشاربون والغارسون والزارعون ، وأن يكون البحر ملحا أجاجا ، لئلا يفسد الهواء المحيط بالأرض بروائح ما يموت في البحر من الحيوانات ولأنه ساكن لا يجري ، فملوحته تمنعه من التغير ، ولتكون حيواناته أحسن وألذ ، ولهذا قال : { وَمِنْ كُلٍ } من البحر الملح والعذب { تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا } وهو السمك المتيسر صيده في البحر ، { وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } من لؤلؤ ومرجان وغيرهما ، مما يوجد في البحر ، فهذه مصالح عظيمة للعباد .

ومن المصالح أيضا والمنافع في البحر ، أن سخره اللّه تعالى يحمل الفلك من السفن والمراكب ، فتراها تمخر البحر وتشقه ، فتسلك من إقليم إلى إقليم آخر ، ومن محل إلى محل ، فتحمل السائرين وأثقالهم وتجاراتهم ، فيحصل بذلك من فضل اللّه وإحسانه شيء كثير ، ولهذا قال : { وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هََذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهََذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وما يعتدل البحران فيستويان ، أحدهما عَذْب فُرات والفرات : هو أعذب العذب ، وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ يقول : والاَخر منهما ملح أجاج ، وذلك هو ماء البحر الأخضر والأُجاج : المرّ ، وهو أشدّ المياه مُلوحة ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَهَذَا مِلْحٌ أُجاجٌ والأُجاج : المرّ .

وقوله : وَمِنْ كُل تَأْكُلُونَ لَحْما طَرِيّا يقول : ومن كلّ البحار تأكلون لحما طَرِيا ، وذلك السمك من عذبهما الفرات ، وملحهما الأجاج وتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها يعني : الدرّ والمرجان تستخرجونها من الملح الأجاج . وقد بيّنا قبل وجه تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً ، وإنما يستخرج من الملح فيما مضى بما أغنى عن إعادته وَتَرَى الفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ يقول تعالى ذكره : وترى السفن في كل تلك البحار مواخر ، تمخُر الماء بصدورها ، وذلك خرقها إياه إذا مرّت واحدتها ماخرة . يقال منه : مَخَرت تمخُر ، وتمخَر مَخْرا ، وذلك إذا شقّت الماء بصدورها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَمِنْ كُلّ تَأكُلُونَ لَحْما طَرِيّا : أي منهما جميعا وتَسْتَخْرِجونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها هذا اللؤلؤ ، وترى الفُلك فيه مواخر : فيه السفن مُقبلةً ومدبرة بريح واحدة .

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَتَرَى الفُلْكَ فِيه مَوَاخِرَ يقول : جَوارِي .

وقوله : لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يقول : لتطلبوا بركوبكم في هذه البحار في الفلك من معايشكم ، ولتتصرّفوا فيها في تجاراتكم ، وتشكروا الله على تسخيره ذلك لكم ، وما رزقكم منه من طيبات الرزق ، وفاخر الحليّ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

{ وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج } ضرب مثل للمؤمن والكافر ، والفرات الذي يكسر العطش والسائغ الذي يسهل انحداره ، والأجاج الذي يحرق بملوحته . وقرئ " سيغ " بالتشديد و " سيغ " بالتخفيف و { ملح } على فعل . { ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسوها } استطراد في صفة البحرين وما فيهما من النعم ، أو تمام التمثيل والمعنى : كما أنهما وان اشتركا في بعض الفوائد لا يتساويان فيما هو المقصود بالذات من الماء ، فإنه خالط أحدهما ما أفسده وغيره عن كمال فطرته لا يتساوى المؤمن والكافر وإن اتفق اشتراكهما في بعض الصفات كالشجاعة والسخاوة لاختلافهما فيما هو الخاصية العظمى وهي بقاء أحدهما على الفطرة الأصلية دون الآخر ، أو تفضل للأجاج على الكافر بما يشارك فيه العذب من المنافع . والمراد ب { الحلية } اللآلئ واليواقيت . { وترى الفلك فيه } في كل . { مواخر } تشق الماء بجريها { لتبتغوا من فضله } من فضل الله بالنقلة فيها ، واللام متعلقة ب { مواخر } ، ويجوز أن تتعلق بما دل عليه الأفعال المذكورة . { ولعلكم تشكرون } على ذلك وحرف الترجي باعتبار ما يقتضيه ظاهر الحال .