قوله : { وَمَا يَسْتَوِي البحران } يعني العذب والملح ثم ذكرهما فقال : { هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ } طيب «سَائغٌ شَرَابُهُ » جائز في الحلق هنيء «وَهَذا مِلْحٌ أجَاجٌ » شديد الملوحة . وقال الضحاك : هو المُرُّ{[45145]} .
قوله : { سَآئِغٌ شَرَابُهُ } يجوز أن يكونا{[45146]} متبدأ وخبراً ، والجملة خبر ثانٍ وأن يكون «سائغٌ » خبراً و «شرابه » فاعلاً به لأنه اعتمد{[45147]} وقرأ عيسى - ويروى عن أبي عمرو وعاصم - سَيِّغٌ مثل سيِّد وميِّت{[45148]} وعن عيسى{[45149]} بتخفيف يائه كما يخفف هَيِّن ومَيِّت .
وقرأ طلحة وأبو نُهَيْك ملحٌ بفتح الميم وكسر{[45150]} اللام ، فقيل : هو مقصور من مَالِحٍ ومالٍح لغَيَّة{[45151]} شاذة . وقيل : مَلِح بالفَتْح والكسر لُغَةٌ في مِلْحٍ ، بالكسر والسكون{[45152]} .
قال أكثر المفسرين : إن المراد من الآية ضرب المثل في حق الكفر والإيمان أو الكافر والمؤمن فالإيمان لا يُشَبَّه بالكفر كما لا يشبه البحر العَذْبُ الفراتُ بالبحر المَلِح الأجاج ثم على هذا فقوله : { وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً } فالبيان أن حال الكافر والمؤمن أو الكفر والإيمان دون حال البحرين لأن الأجاجَ يشارك الفُرَاتَ في خير ونفع إذ اللحمُ الطريُّ يوجد فيهما والحِلْية تؤخذ منهما والفُلْكُ تجري فيهما ولا نفع في الكفر والكافر . وهذا على{[45153]} نَسَقِ قوله تعالى : { أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [ الأعراف : 179 ] وقوله : { كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المآء } [ البقرة : 74 ] قال ابن الخطيب : والأظهر أن المراد منه ذكر دليل آخر على قدرة الله تعالى وذلك من حيث إن البحرين يَسْتَوِيَانِ في الصورة ويختلفان في الماء{[45154]} ، فإن أحدهما فُراتٌ والآخر مِلْح أُجَاج ولولا ذلك بإيجاب{[45155]} مُوجِب{[45156]} لما اختلفت المستويان ثم إنهما بعد اختلافهما يوجد{[45157]} منهما أمور متشابهة فإن اللحم الطريَّ يوجد فيهما والحِلْية تؤخذ منهما ومن يوجد من المتشابهين اختلافاً ومن المختلفين اشتباهاً لا يكون إلا قادراً مختاراً فقوله : { مَا يَسْتَوِي البحران } إشارة إلى أن عدم استوئهما دليل على كمال قدرته ونفوذ إرادته .
قال أهل اللغة : لا يقال لماء البحر إذا كان فيه مُلُوحَةٌ مالحٌ وإنما يقال له : مِلْح .
وقد يذكر في بعض كتب الفقه يَصِيرُ بها ماءُ البَحْرِ مَالِحاً . ويؤاخذ{[45158]} قائله ( به ){[45159]} وهو أصح مما يذهب إليه القوم وذلك لأن الماء العذب إذا ألقي فيه مِلْح حتى مَلَحَ لا يقالُ له إلا مالح . وماء مِلْحٌ يقال للماء الذي صار من أصل خِلْقَتِهِ كذلك لأن المَالِحَ{[45160]} شيء فيه مِلْحٌ ظاهر في الذَّوْق والماء الملح ليس ماءً ومِلْحاً بخلاف الطعام المالح فالماء العذب المُلْقَى فيه المِلْح ما فيه ملح ظاهر في الذَّوْق بخلاف ( ما هو مِلْحٌ ظاهر{[45161]} في الذَّوْقِ بخلاف ) ما هو من أصل خلقته كذلك ( فلما ){[45162]} قال الفقيه : الملحُ أجزاء أرضيَّة سَبِخَة يصير بها ماءُ البَحْرِ مالحاً راعى فيه الأصل فإنه جعله ماءً جاوره مِلْحٌ . وأهل اللغة حيث قالوا في البحر ماؤه مِلْحٌ جعلوه كذلك من أصل الخلقة والأجَاجُ المُرُّ كما تقدم .
قوله : { وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً } من الطَّيْر والسَّمَك من العَذْب والملح جميعاً «وتَسَتْخَرِجُونَ حِلْيَةً » يعني من الملح دون العذب «تَلْبَسُونَها » من اللُّؤْلُؤ والمَرجَان . وقيل : نسب اللؤلؤ إليهما لأنه قد يكون في البحر الأجاج ( عيون ){[45163]} عذبة تمتزج بالملح فيكون اللؤلؤ من ذلك . وقرئ{[45164]} «الفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ » أي ماخرات تَمْخُر البحر بالجَرَيَان أي تشُقّ جَوَارِي مقبلة ومدبرة بريح واحدة «لِتبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ » بالتجارة «ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرونَ » الله على نعمه وهذا يدل على أن المراد من الآية الاستدلال بالبحرين وما فيهما على وجود الله ووحدانيته وكمال قدرته{[45165]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.