قوله تعالى : { وقال الذين كفروا } من اليهود ، { للذين آمنوا لو كان } دين محمد صلى الله عليه وسلم ، { خيراً ما سبقونا إليه } يعني : عبد الله بن سلام وأصحابه . وقال قتادة : نزلت في مشركي مكة ، قالوا : لو كان ما يدعونا إليه محمد خيراً ما سبقنا إليه فلان وفلان . وقال الكلبي : الذين كفروا : أسد وغطفان ، قالوا للذين آمنوا يعني : جهينة ومزينة : لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقنا إليه رعاء البهم . قال الله تعالى : { وإذ لم يهتدوا به } يعني بالقرآن كما اهتدى به أهل الإيمان . { فسيقولون هذا إفك قديم } كما قالوا : أساطير الأولين .
{ 11-12 } { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ * وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ }
أي : قال الكفار بالحق معاندين له ورادين لدعوته : { لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } أي : ما سبقنا إليه المؤمنون أي : لكنا أول مبادر به وسابق إليه وهذا من البهرجة في مكان ، فأي دليل يدل على أن علامة الحق سبق المكذبين به للمؤمنين ؟ هل هم أزكى نفوسا ؟ أم أكمل عقولا ؟ أم الهدى بأيديهم ؟ ولكن هذا الكلام الذي صدر منهم يعزون به أنفسهم بمنزلة من لم يقدر على الشيء ثم طفق يذمه ولهذا قال : { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ } أي : هذا السبب الذي دعاهم إليه أنهم لما لم يهتدوا بهذا القرآن وفاتهم أعظم المواهب وأجل الرغائب قدحوا فيه بأنه كذب وهو الحق الذي لا شك فيه ولا امتراء يعتريه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِلّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هََذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : وقال الذين جحدوا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل للذين آمنوا به ، لو كان تصديقكم محمدا على ما جاءكم به خيرا ، ما سبقتمونا إلى التصديق به ، وهذا التأويل على مذهب من تأوّل قوله : وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ أنه معنيّ به عبد الله بن سلام ، فأما على تأويل من تأوّل أنه عُني به مشركو قريش ، فإنه ينبغي أن يوجه تأويل قوله : وَقالَ الّذِين كَفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْرا ما سَبَقُونا إلَيْهِ أنه عُنِي به مشركو قريش وكذلك كان يتأوّله قتادة ، وفي تأويله إياه كذلك ترك منه تأويله ، قوله : وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ أنه معنيّ به عبد الله بن سلام . ذكر الرواية عنه بذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَقالَ الّذِينَ كَفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْرا ما سَبَقُونا إلَيْهِ قال : قال ذاك أناس من المشركين : نحن أعزّ ، ونحن ، ونحن ، فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان ، فإن الله يختصّ برحمته من يشاء .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَقالَ الّذِينَ كَفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْرا ما سَبَقُونا إلَيْهِ قال : قد قال ذلك قائلون من الناس ، كانوا أعزّ منهم في الجاهلية ، قالوا : والله لو كان هذا خيرا ما سبقنا إليه بنو فلان وبنو فلان ، يختصّ الله برحمته من يشاء ، ويكرم الله برحمته من يشاء ، تبارك وتعالى .
وقوله : وَإذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ يقول تعالى ذكره : وإذ لم يبصروا بمحمد وبما جاء به من عند الله من الهدى ، فيرشدوا به الطريق المستقيم فَسَيَقُولُونَ هَذَا إفْكٌ قَدِيمٌ يقول : فسيقولون هذا القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أكاذيب من أخبار الأوّلين قديمة ، كما قال جل ثناؤه مخِبرا عنهم ، وَقالُوا أساطِيرُ الأوّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلَىَ عَلَيْهِ بُكْرَةً وأصِيلاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.