فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡ كَانَ خَيۡرٗا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيۡهِۚ وَإِذۡ لَمۡ يَهۡتَدُواْ بِهِۦ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَآ إِفۡكٞ قَدِيمٞ} (11)

ثم ذكر الله سبحانه نوعا آخر من أقاويلهم الباطلة في حق القرآن العظيم والمؤمنين به فقال :

{ وقال الذين كفروا } أي كفار مكة { للذين آمنوا } أي لأجلهم ، وفي حقهم ، وقيل : هي لام التبليغ : { لو كان } ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن والنبوة { خيرا ما سبقونا إليه } فإن معالي الأمور لا تنالها أيدي الأراذل وهم سقاط ، عامتهم فقراء وموال ورعاة ، قالوه زعما منهم أنهم المستحقون للسبق إلى كل مكرمة ، وأن الرياسة الدينية مما ينال بأسباب دنيوية ، وزل عنهم أنها منوطة بكمالات نفسانية ، وملكات روحانية ، مبناها الإعراض عن زخارف الدنيا الدنية والإقبال على الآخرة بالكلية ، وأن من فاز بها فقد حازها بحذافيرها ومن حرمها فما له منها من خلاق ولم يعلموا أن الله سبحانه يختص برحمته من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ويصطفي لدينه من يشاء عن قتادة قال : قال ناس من المشركين : نحن أعز ونحن ونحن فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان ، فنزلت هذه الآية .

وعن عون بن أبي شداد : " كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله يقال لها زنيرة . وكان عمر يضربها على الإسلام وكان كفار قريش يقولون : لو كان خيرا ما سبقتنا إله زنيرة فأنزل الله في شأنها هذه الآية " وعن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بنو غفار وأسلم كانوا لكثير من الناس فتنة يقولون لو كان خيرا ما جعلهم الله أول الناس فيه " .

{ وإذ لم يهتدوا به } أي بالقرآن وقيل : بمحمد صلى الله عليه وسلم وقيل بالإيمان { فسيقولون } غير مكتفين بنفي خيرته : { هذا إفك قديم } فجاوزوا نفي خيرية القرآن إلى دعوى أنه كذب قديم كما قالوا أساطير الأولين .