البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡ كَانَ خَيۡرٗا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيۡهِۚ وَإِذۡ لَمۡ يَهۡتَدُواْ بِهِۦ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَآ إِفۡكٞ قَدِيمٞ} (11)

قال قتادة : هي مقالة كفار قريش للذين آمنوا : أي لأجل الذين آمنوا : واللام للتبليغ .

ثم انتقلوا إلى الغيبة في قولهم : { ما سبقونا } ، ولو لم ينتقلوا لكان الكلام ما سبقتم إليه .

ولما سمعوا أن جماعة آمنوا خاطبوا جماعة من المؤمنين ، أي قالوا : { للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه } : أولئك الذين بلغنا إيمانهم يريدون عماراً وصهيباً وبلالاً ونحوهم ممن أسلم وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم .

وقال الكلبي والزجاج : هي مقالة كنانة وعامر وسائر قبائل العرب المجاورة .

قالت ذلك حين أسلمت غفار ومزينة وجهينة ، أي لو كان هذا الدين خيراً ، ما سبقنا إليه الرعاة .

وقال الثعلبي : هي مقالة اليهود حين أسلم ابن سلام وغيره منهم .

وقال أبو المتوكل : أسلم أبو ذر ، ثم أسلمت غفار ، فقالت قريش ذلك .

وقيل : أسلمت أمة لعمر ، فكان يضربها ، حتى يفتر ويقول : لولا أني فترت لزدتك ضرباً فقال كفار قريش : لو كان ما يدعو إليه محمد حقاً ، ما سبقتنا إليه فلانة .

والظاهر أن اسم كان هو القرآن ، وعليه يعود به ويؤيده ، ومن قبله كتاب موسى .

وقيل : به عائد على الرسول ، والعامل في إذ محذوف ، أي { وإذ لم يهتدوا به } ، ظهر عنادهم .

وقوله : { فسيقولون } ، مسبب عن ذلك الجواب المحذوف ، لأن هذا القول هو ناشىء عن العناد ، ويمتنع أن يعمل في : إذ فسيقولون ، لحيلولة الفاء ، وليعاند زمان إذ وزمان سيقولون .

{ إفك قديم } ، كما قالوا : { أساطير الأولين } ، وقدمه بمرور الأعصار عليه .