تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡ كَانَ خَيۡرٗا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيۡهِۚ وَإِذۡ لَمۡ يَهۡتَدُواْ بِهِۦ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَآ إِفۡكٞ قَدِيمٞ} (11)

10

المفردات :

لو كان خيرا ما سبقونا إليه : لو كان ما جاء به محمد من القرآن والإيمان خيرا ، ما سبقنا إليه المؤمنون .

وإذ لم يهتدوا به : أي بالقرآن العظيم .

إفك قديم : كذب من كذب الأولين .

التفسير :

11- { وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم } .

سبب نزول هذه الآية دخول جماعة من الفقراء والضعفاء في الإسلام بمكة ، واعتزاز الأغنياء والأقوياء بمكانتهم ، وأنفتهم من الدخول في الإسلام ، خوفا على وجاهتهم ، ورغبة في الاستمرار في الزنا وشرب الخمر ، واستغلال الفقراء والضعفاء ، من أجل ذلك نزلت هذه الآية ترد عليهم ، وتحكي قولهم ، وتناقش تعسفهم .

والمعنى :

وقال الذين كفروا من أهل مكة ، أو من يهود المدينة : لو كان دين محمد حقا ، ما سبقنا إليه الفقراء والضعفاء والأراذل من الناس ، فنحن أغنياء وأقوياء وأمراء ، ولنا وجاهة عند الناس ، وما أعطانا الله هذه الوجاهة إلا ولنا وجاهة عنده ، وفي هذا المعنى قالوا : { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } . ( الزخرف : 31 ) .

وما علموا أن شرف النفوس واستعدادها لقبول الحق فطرة فطر الله الناس عليها ، فالهداية ليست قاصرة على الأغنياء كما زعموا ، بل هي منحة إلهية ، يهبها الله للنفوس الراغبة في الحق ، المشتاقة إلى الصدق ، التي تتبع الهدى عند ظهوره ، ولا تتكبر ولا تستنكف عن السير وراء الحق إذا ظهر نوره لها .

قال تعالى : { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله . . . } ( الزمر : 22 ) .

لقد قاس هؤلاء أمر الدين على أمر الدنيا ، وما علموا أن الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب ، ولا يعطي الدين إلا لمن يحب .

{ وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم } .

وحين لم تدخل الهداية إلى الإسلام قلوبهم ، ولم يستمعوا للقرآن استماع منصت متفهم ، ولم ينظروا للإسلام نظرة باحث راغب في معرفة الحق ، ولم يسيروا في طريق الهدى ، ولم يأخذوا في أسباب النظر والتفكر في هذا الدين ، فقد اخترعوا زيفا وبهتانا ، فقالوا : إن الإسلام والقرآن كذب قديم مفترى .

قيل لبعضهم : هل في القرآن : ( من جهل شيئا عاداه ) ؟ قال : نعم ، قوله تعالى : { وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم } . وقوله سبحانه : { بل كذبوا بما لم يجحدوا بعلمه . . . } ( يونس : 39 ) .

من تفسير ابن كثير باختصار

{ وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه . . . }

أي : قالوا عن المؤمنين بالقرآن : لو كان القرآن خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه ، يعنون ( بلالا ) و( عمارا ) و( صهيبا ) و( خبابا ) رضي الله عنهم ، وأشباههم من المستضعفين والعبيد والإماء ، ولقد غلطوا في ذلك غلطا فاحشا ، وأخطأوا خطأ بينا ، كما قال تبارك وتعالى : { وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا . . . } ( الأنعام : 53 ) .

أي : يتعجبون كيف اهتدى هؤلاء دوننا ، ولهذا قالوا : { لو كان خيرا ما سبقونا إليه . . . }

وقوله تعالى : { وإذ لم يهتدوا به } . أي : بالقرآن .

{ فسيقولون هذا إفك قديم } .

أي : كذب قديم مأثور عن الناس الأقدمين ، فينتقضون القرآن وأهله ، وهذا هو الكبر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه : ( الكبر بطر الحق وغمط الناس ) .

و( بطر الحق ) ، أي : دفعه وعدم قبوله ، و( غمط الناس ) ، أي : احتقارهم وازدراؤهم .