معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُل لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ كَثۡرَةُ ٱلۡخَبِيثِۚ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (100)

قوله تعالى : { والله يعلم ما تبدون وما تكتمون قل لا يستوي الخبيث والطيب } ، أي الحلال والحرام .

قوله تعالى : { ولو أعجبك } ، سرك .

قوله تعالى : { كثرة الخبيث } ، نزلت في شريح بن ضبعة البكري ، وحجاج بن بكر بن وائل .

قوله تعالى : { فاتقوا الله } ، ولا تتعرضوا للحجاج وإن كانوا مشركين ، وقد مضت القصة في أول السورة .

قوله تعالى : { يا أولي الألباب لعلكم تفلحون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُل لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ كَثۡرَةُ ٱلۡخَبِيثِۚ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (100)

{ 100 } { قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

أي : { قُلْ } للناس محذرا عن الشر ومرغبا في الخير : { لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ } من كل شيء ، فلا يستوي الإيمان والكفر ، ولا الطاعة والمعصية ، ولا أهل الجنة وأهل النار ، ولا الأعمال الخبيثة والأعمال الطيبة ، ولا المال الحرام بالمال الحلال .

{ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ } فإنه لا ينفع صاحبه شيئا ، بل يضره في دينه ودنياه .

{ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فأمر أُولي الألباب ، أي : أهل العقول الوافية ، والآراء الكاملة ، فإن الله تعالى يوجه إليهم الخطاب . وهم الذين يؤبه لهم ، ويرجى أن يكون فيهم خير .

ثم أخبر أن الفلاح متوقف على التقوى التي هي موافقة الله في أمره ونهيه ، فمن اتقاه أفلح كل الفلاح ، ومن ترك تقواه حصل له الخسران وفاتته الأرباح .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُل لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ كَثۡرَةُ ٱلۡخَبِيثِۚ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (100)

ثم صرح - سبحانه - بعد ذلك بأنه لا يستوي عنده الخبيث والطيب فقال : { قُل لاَّ يَسْتَوِي الخبيث والطيب وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخبيث } .

والخبيث - كما يقول الراغب - ما يكره رداءه وخساسة محسوسا كان أم معقولا ، وأصله الردئ الدخلة الجاري مجري خبث الحديد كما قال الشاعر :

سبكناه ونحسبه لجينا . . . فأبدى الكير على خبث الحديد

وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد ، والكذب في المقال ، والقبيح في الفعال .

والطيب : الشيء الحسن الذي أباحته الشريعة ورضيته العقول السليمة ، ويتناول الاعتقاد الحق ، والمقال الصدق ، والعمل الصالح .

والمعنى : قل - يا محمد - للناس : إنه لا يستوي عند الله ولا عند العقلاه القبيح والحسن من كل شيء ، لأن الشيء القبيح - في ذاته أو في سببه أو في غير ذلك من أشكاله - بغيض إلى الله وإلى كل عاقل ، وسكون مصيره إلى الهلاك والبوار .

أما الشيء الطيب الحسن فهو محبوب من الله ومن كل عاقل ، ومحمود العاقبة دنيا ودينا .

وقوله : { وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخبيث } زيادة في التنفير من الشيء الخبيث ، وحض على التمسك بما هو طيب .

أي : لا يستوي في ميزان الله ولا في ميزان العقلاء الخبيث والطيب ، حتى ولو كان الفريق الخبيث كثير المظهر ، براق الشكل ، تعجب الناظرين هيئته فلا تغتر به أيها العاقل ، ولا تؤثر في نفسك كثرته وسطوته فإنه مهما كثر وظهر وفشا . فإنه سيء العاقبة ، سريع الزوال ، لذته تعقبها الحسرة ، وشهوته تتلوها الندامة ، وسطوته تصحبها الخسارة والكراهية ، وطريقة المليئة بالدنس والقذر يجب أن يوصد أبوابها الأخيار الشرفاء .

أما الفريق الطيب أو الشيء الطيب فهو محمود العاقبة ، لذته الحلال يباركها الله ، وثماره الحسنة تؤيدها شريعته وتستريح لها العقول السليمة ، والقلوب النقية من كل دنس وباطل وطريقه المستقيم - مهما قل - سالكوه - هو الطريق الذي يوصل إلى كل خير وفلاح .

ولا شك أن العقل عندما يتخلص من الهوى سيختار الطيب على الخبيث لأن في الطيب سعادة الدنيا والآخرة .

وما أحسن قول أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها : " ما تمتع الأشرار بشيء إلا وتمتع به الأخيار ، وزادوا عليهم رضا الله - عز وجل - " .

والفاء في قوله : { فاتقوا الله ياأولي الألباب لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } للإفصاح عن كلام مقدر ، والتقدير :

إذا كان الأمر كما بينت لكم - أيها الناس - من أنه لا يستوي الخبيث والطيب . لأن أهل الخبيث سيعاقبون ويندمون مهما كثروا وأهل الطيب سيثابون ويفرحون ، إذا كان الأمر كذلك فاتقوا الله يا أصحابا العقول السليمة بأن تجتنبوا كل ما هو خبيث ، وتقبلوا على كل ما هو طيب ، لعلكم بسبب هذه التقوى والخشية من الله تنولون الفلاح والنجاح في دنياكم وآخرتكم .

والجملة الكريمة تذييل قصد به تأكيد ما مر من الترغيب في الطاعات والتحذير من المعاصي قال الفخر الرازي : لما ذكر - سبحانه - هذه الترغيبات الكثيرة في الطاعة ، والتحذيرات من المعصية . أتبعها بوجه آخر يؤكدها فقالك { فاتقوا الله ياأولي الألباب لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } : أي : فاتقوا الله بعد هذه البيانات الجليلة والتعريفات القوية ، ولا تقدموا على مخالفته لعلكم تصيرون فائزين بالمطالب الدنيوية والدينية العاجلة والآجلة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُل لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ كَثۡرَةُ ٱلۡخَبِيثِۚ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (100)

وقوله { هل يستوي } الآية لفظ عام في جميع الأمور يتصور في المكاسب وعدد الناس والمعارف من العلوم ونحوها ، ف { الخبيث } من هذا كله لا يفلح ولا ينجب ولا تحسن له عاقبة ، { والطيب } ولو قل نافع جميل العاقبة وينظر إلى هذه الآية قوله تعالى : { والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً }{[4739]} والخبث هو الفساد الباطن في الأشياء حتى يظن بها الصلاح والطيب وهي بخلاف ذلك ، وهكذا هو الخبث في الإنسان ، وقد يراد بلفظة خبيث في الإنسان فساد نسبه ، فهذا لفظ يلزم قائله على هذا القصد الحد ، وقوله تعالى { فاتقوا الله يا أولي الألباب } تنبيه على لزوم الطيب في المعتقد والعمل ، وخص { أولي الألباب } بالذكر لأنهم المتقدمون في ميز هذه الأمور والذين لا ينبغي لهم إهمالها مع ألبابهم وإدراكهم ، وكأن الإشارة بهذه { الألباب } إلى لب التجربة الذي يزيد على لب التكليف بالحنكة والفطنة المستنبطة والنظر البعيد .


[4739]:- من الآية (58) من سورة (الأعراف)، وينظر إلى الآية أيضا قوله تعالى: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار}- وقوله تعالى: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات}.