فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قُل لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ كَثۡرَةُ ٱلۡخَبِيثِۚ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (100)

قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون( 100 )

سنة الله تعالى أن يخالف بين الحسن والقبيح ، والصالح والفاسد ، فليسا سواء ، لا في الأولى ولا في العقبى ، وقد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغنا هذا الحق عن ربنا الحق : { قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث } ، والخبيث : المكروه ( {[1881]} ) ، فإن كان في الكلام فهو الشتم ، وإن كان من الملل فهو الكفر ، وإن كان من الطعام فهو الحرام ، وإن كان من الشراب فهو الضار ؛ والطيب : خلاف الخبيث ، وقد تتسع معانيه ( {[1882]} ) ؛ { ولو أعجبك كثرة الخبيث } ليس يستوي ما هو طيب ومن هو طيب مع ما خبث ومن خبث أعجبك كثرة الخبيث أو لم يعجبك ، والمخاطب هنا : كل من يصلح للخطاب ؛ وربنا بحكمته فرق بين الحق والباطل وأهل كل منهما ، وبين البر والفاجر ، وبين المهتدين والغاوين ، وبين المصلحين والمفسدين ، يقول سبحانه وهو أصدق القائلين : ( أم حسب الذين اجترحوا السيآت أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) ( {[1883]} ) ، ويقول تقدست أسماؤه : ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ) ( {[1884]} ) ، ويقول تباركت آلاؤه : ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين . ما لكم كيف تحكمون ) ( {[1885]} ) ؛ - لا يعتدل العاصي والمطيع لله عند الله ولو كثر أهل المعاصي فعجبت من كثرتهم ، لأن أهل طاعة الله هم المفلحون ، الفائزون بثواب الله يوم القيامة وإن قلوا دون أهل معصيته ، وأن أهل معاصيه هم الأخسرون الخائبون وإن كثروا ؛ يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : فلا تعجبن من كثرة من يعصى الله فيمهله ولا يعاجله بالعقوبة ، فإن العقبى الصالحة لأهل الله عنده دونهم ، . . . وهذا الكلام وإن كان مخرجه مخرج الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالمراد به بعض أتباعه ، يدل على ذلك قوله : { فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون }- ( {[1886]} ) فاحذروا الله يا أصحاب العقول أن تغركم سطوة الباطل ، أو ما مُتع به الفجار من زخرف وعرض حائل ، بل على من أراد الفوز بما يرغب ، والنجاة مما يرهب أن يؤثر ما بقي على ما يفنى ( {[1887]} ) ؛ ( وهو عام في حرام الأموال وحلالها ، وفاسد الأعمال وصالحها ، وسقيم المذاهب وصحيحها ، ورديء النفوس وجيدها ؛ وأخبث الخبائث الروحانية : الجهل والمعصية ؛ وأطيب الطيبات الروحانية معرفة الله تعالى وطاعته ؛ والبون بين الصنفين في العالم الروحاني أبقى وأدوم ، وأجل وأعظم ، فلا تستبدل الخبيث يا إنسان بالطيب ، ولو أعجبك كثرة الخبيث ، لأن كثرته في التحقيق قلة ، ولذته في نفس الأمر ذلة ، وفقده زيف ، وصرف العمر في طلبه حيف ) ( {[1888]} ) . { يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم } في الصحيحين عن أنس قال : قال رجل : يا نبي الله من أبي ؟ قال : " أبوك فلان " قال : فنزلت :


[1881]:وقد يراد به الفاسد الرديء من الرزق والولد والناس، وقد يراد به الشر؛ يقول اللغويون: وما جاء في الحديث: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" قد يراد به الاستعاذة من إناث الشياطين وقد يراد بالخبث: الفجور والخصال الرديئة؛ والخبثة: الزنية والفسق؛ ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث، قد يعني: ما خبث لنجاسته وهو الحرام، كالخمر والأوراث والأبوال؛ أو من جهة الطعم والمذاق، لما فيه من المشقة على الطباع وكراهية النفوس لها؛ والأخبثان: قد يراد بهما: الرجيع والبول؛ أو: السهر والضجر؛ أو: البول والغائط؛ أو: القيء والسلاخ.
[1882]:يقال: أرض طيبة: أي تصلح للنبات؛ وبلدة طيبة: آمنة كثيرة الخير؛ وتربة طيبة: طاهرة؛ وامرأة طيبة: إذا كانت حصانا عفيفة؛ ونفس طيبة: راضية بما قدر الله تعالى لها؛ وكلمة طيبة: ليس فيها مكروه؛ ونكهة طيبة: ليس فيها نتن وإن لم يكن فيها ريح طيبة كالند والعود؛ وزبون طيب: سهل في مبايعته؛ وريح طيبة: لينة ليست بالعاصفة الشديدة؛ وطاب الشيء:لذ وزكا.
[1883]:سورة الجاثية. الآية 21.
[1884]:سورة ص . الآية 28.
[1885]:سورة القلم. الآيتان 26،25.
[1886]:من جامع البيان للطبري.
[1887]:في المأثور: ما قل وكفى خير مما كثر وألهى؛ وروى البنوي عن أبي أمامة-يرفعه-:" قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه".
[1888]:ما بين العلامتين ( ) من تفسير غرائب القرآن..للنيسابوري.