محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قُل لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ كَثۡرَةُ ٱلۡخَبِيثِۚ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (100)

[ 100 ] { قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون ( 100 ) } .

{ قل لا يستوي الخبيث والطيب } حكم عام في نفي المساواة عند الله سبحانه وتعالى بين الرديء من الأشخاص والأعمال والأموال ، وجيدها . قصد به الترغيب في صالح العمل وحلال المال { ولو أعجبك كثرة الخبيث } فإن العبرة بالجودة والرداءة ، دون القلة والكثرة . فإن المحمود القليل خير من المذموم الكثير . والخطاب عام لكل معتبر- أي : ناظر بعين الاعتبار- ولذلك قال : { فاتقوا الله يا أولي الألباب } أي : فاتقوه في تحري الخبث وإن كثر . وآثروا الطيب وإن قل { لعلكم تفلحون } أي : بمنازل القرب عنده تعالى المعد للطيبين .

تنبيهان

الأول : قال الرازي : اعلم أنه تعالى لما زجر عن المعصية ورغب في الطاعة بقوله : { اعلموا أن الله شديد العقاب . . . } الآية ثم بما بعدها أيضا- أتبعه بنوع آخر من الترغيب والترهيب بقوله : { قل لا يستوي . . } الآية . وذلك لأن الخبيث والطيب قسمان : أحدهما الذي يكون جسمانيا وهو ظاهر لكل أحد . والثاني الذي يكون روحانيا . وأخبث الخبائث الروحانية الجهل والمعصية . وأطيب الطيبات الروحانية معرفة الله تعالى وطاعته . وذلك لأن الجسم الذي يلتصق به شيء من النجاسات يصير مستقذرا عند الأرواح الكاملة المقدسة . وأما الأرواح العارفة بالله تعالى ، المواظبة على خدمته ، فإنها تصير مشرقة بأنوار المعارف الإلهية ، مبتهجة بالقرب من الأرواح المقدسة الطاهرة . وكما أن الخبيث والطيب / في عالم الجسمانيات لا يستويان ، فكذلك في عالم الروحانيات لا يستويان . بل المباينة بينهما في عالم الروحانيات أشد لأن مضرة خبث الخبيث الجسماني شيء قليل ومنفعة طيبة مختصرة . وأما خبث الخبيث الروحاني فمضرته عظيمة دائمة أبدية . وطيب الطيب الروحاني فمنفعته عظيمة دائمة أبدية . وهو القرب من جوار رب العالمين ، والانخراط في زمرة الملائكة المقربين ، والمرافقة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . فكان هذا من أعظم وجوه الترغيب في الطاعة والتنفير عن المعصية .

الثاني : قال بعض المفسرين : من ثمرة الآية أنه ينبغي إجلال الصالح وتمييزه على الطالح . وأن الحاكم إذا تحاكم إليه الكافر والمؤمن ، ميز المؤمن في المجلس . انتهى .