{ قُل لا يَسْتَوِي الخبيث والطيب } حكم عام في نفي المساواة عند الله تعالى بين الرديء من الأشخاص والأعمال والأموال ، وبين جيِّدها ، قَصَد به الترغيب في جيِّد كل منها والتحذيرَ عن رديئها ، وإن كان سببَ النزول شريحُ بنُ ضُبيعةَ البكريُّ الذي مرت قصته في تفسير قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ الله } [ المائدة ، الآية 2 ] الخ ، وقيل : نزلت في رجل سأل رسول الله عليه الصلاة والسلام : إن الخمر كانت تجارتي ، وإني اعتقدت من بيعها مالاً ، فهل ينفعني من ذلك المال إن عمِلت فيه بطاعة الله تعالى ؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام : «إن أنفقته في حج أو جهاد أو صدقة لم يعدِلْ جَناحَ بعوضة ، إن الله لا يقبل إلا الطيب » ، وقال عطاءٌ والحسنُ رضي الله عنهما : الخبيث والطيب الحرامُ والحلال ، وتقديم الخبيث في الذكر للإشعار من أول الأمر بأن القصور الذي يُنْبئ عنه عدمُ الاستواء فيه لا في مقابِلِه ، فإنه مفهومٌ عدمُ الاستواء بين الشيئين المتفاوتين زيادةً ونقصاناً وإن جاز اعتباره بحسب زيادة الزائد ، لكن المتبادر اعتبارُه بحسب قصور القاصر كما في قوله تعالى : { هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير } [ الأنعام ، الآية 50 . والرعد ، الآية 16 ] إلى غير ذلك ، وأما قوله تعالى : { هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر ، الآية 9 ] فلعل تقديمَ الفاضلِ فيه لما أن صِلتَه ملكة لصلة المفضول { وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخبيث } أي وإن سرك كثرته ، والخطاب لكل واحد من الذين أُمر النبي صلى الله عليه وسلم بخطابهم ، والواو لعطف الشرطية على مثلها المقدَّر ، وقيل : للحال وقد مر ، أي ولو لم تُعجِبْك كثرة الخبيث ولو أعجبتك ، وكلتاهما في موقع الحال من فاعل لا يستوي ، أي لا يستويان كائنين على كل حال مفروض كما في قولك : أحسِنْ إلى فلان وإن أساء إليك ، أي أحسن إليه وإن لم يُسِئ إليك وإن أساء إليك ، أي كائناً على كل حال مفروض ، وقد حُذفت الأولى حذفاً مطَّرداً لدِلالة الثانية عليها دلالة واضحة ، فإن الشيء إذا تحقق مع المعارِض فلأن يتحقق بدونه أولى ، وعلى هذا السر يدور ما في لو وإن الوصليتين من المبالغة والتأكيد ، وجواب لو محذوف في الجملتين لدلالة ما قبلهما عليه ، وسيأتي تمام تحقيقه في مواقعَ عديدةٍ بإذن الله عز وجل . { فاتقوا الله ياأولي الألباب } أي في تحرِّي الخبيث وإن كثر ، وآثِروا عليه الطيِّب وإن قلّ ، فإن مدارَ الاعتبار هو الجُودة والرداءةُ لا الكثرةُ والقِلة ، فالمحمودُ القليلُ خيرٌ من المذموم الكثير ، بل كلما كثر الخبيثُ كان أخبثَ { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } راجين أن تنالوا الفلاح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.