قوله تعالى : { وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً } . وذلك أن أشمويل سأل الله تعالى أن يبعث لهم ملكاً ، فأتى بعصا وقرن فيه دهن القدس ، وقيل : له إن صاحبكم الذي يكون طوله طول هذه العصا ، وانظر هذا القرن الذي فيه الدهن فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي في القرن فهو ملك بني إسرائيل ، فادهن به رأسه وملكه عليهم ، وكان طالوت اسمه بالعبرانية ساول بن قيس ، من أولاد بنيامين بن يعقوب ، سمي طالوت لطوله ، وكان أطول من كل أحد برأسه ومنكبيه ، وكان رجلاً دباغاً يعمل الأديم ، قاله وهب ، وقال السدي : كان رجلاً سقاء يسقي على حمار له من النيل ، فضل حماره ، فخرج في طلبه ، وقيل كان خربندجا ، وقال وهب : بل ضلت حمر لأبي طالوت فأرسله وغلاماً له في طلبها ، فمرا ببيت أشمويل فقال الغلام لطالوت : لو دخلنا على هذا النبي فسألناه عن أمر الحمر ليرشدنا ويدعو لنا ، فدخلا عليه ، فبينما هما عنده يذكران له حاجتهما إذ نش الدهن الذي في القرن ، فقام أشمويل عليه السلام فقاس طالوت بالعصا فكانت طوله ، فقال لطالوت : قرب رأسك ! فقربه ، فدهنه بدهن القدس ، ثم قال له : أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله تعالى أن أملكه عليهم فقال طالوت : أما علمت أن سبطي أدنى أسباط بني إسرائيل ؟ وبيتي أدنى بيوت بني إسرائيل ؟ . قال : بلى ، قال فبأي آية ؟ قال : بآية أنك ترجع وقد وجد أبوك حمره فكان كذلك . ثم قال لبني إسرائيل : ( إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً ) .
قوله تعالى : { قالوا أنى يكون له الملك علينا } . أي من أين يكون له الملك علينا .
قوله تعالى : { ونحن أحق } . أولى .
قوله تعالى : { بالملك منه } . وإنما قالوا ذلك لأنه كان في بني إسرائيل سبطان : سبط نبوة وسبط مملكة ، فكان سبط النبوة سبط لاوي بن يعقوب ، ومنه كان موسى وهارون ، وسبط المملكة سبط يهوذا بن يعقوب ، ومنه كان داود وسليمان ، ولم يكن طالوت من أحدهما إنما كان من سبط بنيامين بن يعقوب ، وكانوا عملوا ذنباً عظيماً ، كانوا ينكحون النساء على ظهر الطريق نهاراً فغضب الله تعالى عليهم ، ونزع الملك والنبوة عنهم وكانوا يسمونه سبط الإثم ، فلما قال لهم نبيهم ذلك أنكروا عليه لأنه لم يكن من سبط المملكة ، ومع ذلك قالوا هو فقير .
قوله تعالى : { ولم يؤت سعة من المال ، قال إن الله اصطفاه } . اختاره .
قوله تعالى : { عليكم وزاده بسطة } . فضيلة وسعة .
قوله تعالى : { في العلم والجسم } . وذلك أنه كان أعلم بني إسرائيل في وقته وقيل : إنه أتاه الوحي حين أوتي الملك ، وقال الكلبي : وزاده بسطة فضيلة وسعة في العلم بالحرب ، وفي الجسم بالطول وقيل : الجسم بالجمال وكان طالوت أجمل رجل في بني إسرائيل وأعلمهم .
قوله تعالى : { والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم } . قيل : الواسع ذو السعة ، وهو الذي يعطي عن غنى ، والعليم العالم ، وقيل : العالم بما كان ، والعليم بما يكون فقالوا له : فما آية ملكه ؟ فقال لهم نبيهم : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت ، فذلك قوله : وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين } .
{ وقال لهم نبيهم } مجيبا لطلبهم { إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا } فكان هذا تعيينا من الله الواجب عليهم فيه القبول والانقياد وترك الاعتراض ، ولكن أبوا إلا أن يعترضوا ، فقالوا : { أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال } أي : كيف يكون ملكا وهو دوننا في الشرف والنسب ونحن أحق بالملك منه . ومع هذا فهو فقير ليس عنده ما يقوم به الملك من الأموال ، وهذا بناء منهم على ظن فاسد ، وهو أن الملك ونحوه من الولايات مستلزم لشرف النسب وكثرة المال ، ولم يعلموا أن الصفات الحقيقية التي توجب التقديم مقدمة عليها ، فلهذا قال لهم نبيهم : { إن الله اصطفاه عليكم } فلزمكم الانقياد لذلك { وزاده بسطة في العلم والجسم } أي : فضله عليكم بالعلم والجسم ، أي : بقوة الرأي والجسم اللذين بهما تتم أمور الملك ، لأنه إذا تم رأيه وقوي على تنفيذ ما يقتضيه الرأي المصيب ، حصل بذلك الكمال ، ومتى فاته واحد من الأمرين اختل عليه الأمر ، فلو كان قوي البدن مع ضعف الرأي ، حصل في الملك خرق وقهر ومخالفة للمشروع ، قوة على غير حكمة ، ولو كان عالما بالأمور وليس له قوة على تنفيذها لم يفده الرأي الذي لا ينفذه شيئا { والله واسع } الفضل كثير الكرم ، لا يخص برحمته وبره العام أحدا عن أحد ، ولا شريفا عن وضيع ، ولكنه مع ذلك { عليم } بمن يستحق الفضل فيضعه فيه ، فأزال بهذا الكلام ما في قلوبهم من كل ريب وشك وشبهة لتبيينه أن أسباب الملك متوفرة فيه ، وأن فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده ، ليس له راد ، ولا لإحسانه صاد .
ثم بين القرآن ما أخبرهم به نبيهم ليحملهم على الطاعة والامتثال فقال- تعالى - : { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً } .
أي وقال لهم بعد أو أوحى إليه بما يوحى : إن الله - تعالى - وهو العليم الخبير بأحوال عباده قد بعث لكم ومن أجل مصلحتكم طالوت ليكون ملكاً عليكم ، وقائدا لكم في قتالكم لأعدائكم ، فأطيعوه واتبعوا ما يأمركم به .
و { طَالُوتَ } اسم أعجمي قيل هو المسمى في التوراة باسم " شاول " وقيل إن هذا الاسم لقب له من الطول كملكوت من الملك ، لأن طالوت كان طويلا جسيما .
ولقد كان الذي يقتضيه العقل أن يطيعوا أمر نبيهم ، ولكنهم لجوا في جدالهم وطغيانهم وقالوا لنبيهم معترضين على من اختراه الله قائدا لهم . { أنى يَكُونُ لَهُ الملك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بالملك مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المال } .
{ أنى } أداة استفهام بمعنى كيف ، والاستفهام هنا للتعجب من جعل طالوت ملكاً عليهم . أي قالوا لنبيهم منكرين ومتعجبين من اختيار طالوت ملكاً عليهم : كيف يكون له الملك علينا والحال أننا أحق بالملك منه لأننا أشرف منه نسباً ، إذ منا من هو نسل الملوك أما طالوت فليس من نسلهم ، وفضلا عن ذلك فهو لا يملك من المال ما يملكه بعضنا فكيف يكون هذا الشخص ملكاً علينا ؟
فأنت تراهم لانعدام المقاييس الصحيحة عندهم ظنوا أن المؤهلات الحقيقية لاستحقاق الملك والقيادة إنما تكون بالنسب وكثرة المال أما الكفاءة العقلية ، والقوة البدنية ، والقدرة الشخصية فلا قيمة لها عندهم لانطماس بصيرتهم ، وسوء تفكيرهم .
قال بعضهم : " وسبب هذا الاستبعاد أن النبوة كانت مخصوصة بسبط معين من أسباط بني إسرائيل وهو سبط لاوى بن يعقوب . وسبط المملكة . بسبط يهوذا ، ولم يكن طالوت من أحد هذين السبطين بل من ولد بنيامين . والواو في قوله : { وَنَحْنُ أَحَقُّ } للحال ، والواو الثانية في قوله : { وَلَمْ يُؤْتَ } عاطفة جامعة للجملتين في الحكم .
ثم حكى القرآن ما رد به نبيهم عليهم فقال : { قَالَ إِنَّ الله اصطفاه عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العلم والجسم والله يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .
أي قال لهم نبيهم مدللا على أحقية طالوت بالقيادة : إن الله - تعالى - { اصطفاه عَلَيْكُمْ } أي اختاره وفضله عليكم واختياره يجب أن يقابل بالإِذعان والتسليم . وثانيا : { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العلم } أي أن الله - تعالى - منحه سعة في العلم والمعرفة والعقل والإِحكام في التفكير المستقيم لم يمنحها لكم ، وثالثاً : في { والجسم } بأن أعطاه جسماً قوياً ضخماً مهيباً . وهذه الصفات ما وجدت في شخص إلا وكان أهلا للقيادة والريادة وفضلا عن كل ذلك فمالك الملك هو الذي اختاره فكيف تعترضون يا من تدعون أنكم تريدون القتال في سبيل الله ؟ لذا نراه - سبحانه - يضيف الملك الحقيقي إليه فيقول : { والله يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ } أي : يعطي ملكه لمن يشاء من عباده لحكمة يعلمها . فلا يجوز لأحد أن يعترض على اختياره ، والله واسع الفضل والعطاء " عليم " .
أي : لما طلبوا من نبيهم أن يعين لهم ملكًا منهم فعين لهم طالوت وكان رجلا من أجنادهم ولم يكن من بيت الملك فيهم ؛ لأن الملك فيهم كان في سبط يهوذا ، ولم يكن هذا من ذلك السبط فلهذا قالوا : { أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا } أي : كيف يكون ملكًا علينا { وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ } أي : ثم هو مع هذا فقير لا مال له يقوم بالملك ، وقد ذكر بعضهم أنه كان سقاء وقيل : دباغًا . وهذا اعتراض منهم على نبيهم وتعنت وكان الأولى بهم طاعة وقول معروف ثم قد أجابهم النبي قائلا { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } أي : اختاره لكم من بينكم والله أعلم به منكم . يقول : لست أنا الذي عينته من تلقاء نفسي بل الله أمرني به لما طلبتم مني ذلك { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ } أي : وهو مع هذا أعلم منكم ، وأنبل وأشكل منكم وأشد قوة وصبرًا{[4232]} في الحرب ومعرفة بها أي : أتم علمًا وقامة منكم . ومن هاهنا ينبغي أن يكون الملك ذا علم وشكل حسن وقوة شديدة في بدنه ونفسه ثم قال : { وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ } أي : هو الحاكم الذي ما شاء فعل ولا يُسأل عما يفعل وهم يسألون لعلمه [ وحكمته ]{[4233]} ورأفته بخلقه ؛ ولهذا قال : { وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } أي : هو واسع الفضل يختص برحمته من يشاء عليم بمن يستحق الملك ممن لا يستحقه .
{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهُمْ إِنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنّىَ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مّنَ الْمَالِ قَالَ إِنّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
يعني تعالى ذكره بذلك : وقال للملأ من بني إسرائيل نبيّهم شمويل : إن الله قد أعطاكم ما سألتم ، وبعث لكم طالوت ملكا . فلما قال لهم نبيهم شمويل ذلك ، قالوا : أنى يكون لطالوت الملك علينا ، وهو من سبط بنيامين بن يعقوب ، وسبط بنيامين سبط لا ملك فيهم ولا نبوّة ، ونحن أحقّ بالملك منه ، لأنا من سبط يهوذا بن يعقوب ، وَلمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المَالِ يعني : ولم يؤت طالوت كثيرا من المال ، لأنه سَقّاء ، وقيل كان دباغا .
وكان سبب تمليك الله طالوت على بني إسرائيل وقولهم ما قالوا لنبيهم شمويل : أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنا ونَحْنُ أحَقّ بالمُلْكِ مِنْهُ ولَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المَالِ ما :
حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، قال : حدثني محمد بن إسحاق ، قال : حدثني بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه قال : لما قال الملأ من بني إسرائيل لشمويل بن بالي ما قالوا له ، سأل الله نبيهم شمويل أن يبعث لهم ملكا ، فقال الله له : انظر القرن الذي فيه الدهن في بيتك ، فإذا دخل عليك رجل فنشّ الدهن الذي في القرن ، فهو ملك بني إسرائيل ، فادهن رأسه منه ، وملّكه عليهم وأخبره بالذي جاءه . فأقام ينتظر متى ذلك الرجل داخلاً عليه . وكان طالوت رجلاً دباغا يعمل الأدم ، وكان من سبط بنيامين بن يعقوب ، وكان سبط بنيامين سبطا لم يكن فيه نبوّة ولا ملك . فخرج طالوت في طلب دابة له أضلته ومعه غلام له ، فمرّا ببيت النبيّ عليه السلام ، فقال غلام طالوت لطالوت : لو دخلت بنا على هذا النبيّ فسألناه عن أمر دابتنا فيرشدنا ويدعو لنا فيها بخير ؟ فقال طالوت : ما بما قلت من بأس فدخلا عليه ، فبينما هما عنده يذكران له شأن دابتهما ، ويسألانه أن يدعو لهما فيها ، إذ نش الدهن الذي في القرن ، فقام إليه النبيّ عليه السلام فأخذه ، ثم قال لطالوت : قرّب رأسك فقرّبه ، فدهنه منه ثم قال : أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله أن أملكك عليهم . وكان اسم طالوت بالسريانية : شاؤل بن قيس بن أبيال بن صرار بن يحرب بن أفِيّح بن آيس بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم . فجلس عنده وقال الناس : ملك طالوت . فأتت عظماء بني إسرائيل نبيهم وقالوا له : ما شأن طالوت يملك علينا وليس في بيت النبوّة ولا المملكة ؟ قد عرفت أن النبوّة والملك في آل لاوي وآل يهوذا فقال لهم : إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وزَادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْمِ .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن عبد الكريم ، عن عبد الصمد بن معقل ، عن وهب بن منبه ، قال : قالت بنو إسرائيل لشمويل : ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال : قد كفاكم الله القتال قالوا : إنا نتخّوف من حولنا فيكون لنا ملك نفزع إليه فأوحى الله إلى شمويل أن ابعث لهم طالوت ملكا ، وادهنه بدهن القدس . وضلت حُمُرٌ لأبي طالوت ، فأرسله وغلاما له يطلبانها ، فجاءوا إلى شمويل يسألونه عنها ، فقال : إن الله قد بعثك ملكا على بني إسرائيل قال : أنا ؟ قال : نعم . قال : وما علمت أن سبطي أدنى أسباط بني إسرائيل ؟ قال : بلى . قال : أفما علمت أن قبيلتي أدنى قبائل سبطي ؟ قال : بلى . قال : أما علمت أن بيتي أدنى بيوت قبيلتي ؟ قال : بلى . قال : فبأية آية ؟ قال : بآية أنك ترجع وقد وجد أبوك حمره ، وإذا كنت بمكان كذا وكذا نزل عليك الوحي . فدهنه بدهن القدس ، فقال لبني إسرائيل : إنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكا قالُوا أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنا ونحْنُ أحَقّ بالمُلْكِ مِنْهُ ولَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المَالِ قالَ إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالجِسْمِ .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : لما كذبت بنو إسرائيل شمعون ، وقالوا له : إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله آية من نبوّتك قال لهم شمعون : عسى أن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا . قالُوا وَما لَنا إلاّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ . . . الآية . دعا الله فأتى بعصا تكون مقدارا على طول الرجل الذي يبعث فيهم ملكا ، فقال : إن صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا . فقاسوا أنفسهم بها ، فلم يكونوا مثلها . وكان طالوت رجلاً سقاءً يسقي على حمار له ، فضلّ حماره ، فانطلق يطلبه في الطريق ، فلما رأوه دعوه فقاسوه بها ، فكان مثلها ، فقال لهم نبيهم : إنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكا قال القوم : ما كنت قط أكذب منك الساعة ، ونحن من سبط المملكة وليس هو من سبط المملكة ، ولم يؤت سعة من المال فنتبعه لذلك فقال النبيّ : إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وزَادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْمِ .
حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا شريك ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، قال : كان طالوت سقاء يبيع الماء .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : بعث الله طالوت ملكا ، وكان من سبط بنيامين سبط لم يكن فيهم مملكة ولا نبوة . وكان في بني إسرائيل سبطان : سبط نبوة ، وسبط مملكة ، وكان سبط النبوة لاوي إليه موسى وسبط المملكة يهوذا إليه داود وسليمان . فلما بعث من غير سبط النبوة والمملكة أنكروا ذلك وعجبوا منه وقالوا : أنّى يَكونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنا ونحْنُ أحَقّ بالمُلْكِ مِنْهُ قالوا : وكيف يكون له الملك علينا ، وليس من سبط النبوة ، ولا من سبط المملكة فقال الله تعالى ذكره : إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ابْعَثْ لَنا مَلِكا قال لهم نبيهم : إنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكا قالُوا أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنا قال : وكان من سبط لم يكن فيهم ملك ولا نبوة ، فقال : إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وزَادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْمِ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : وَقالَ لَهُمْ نَبِيّهُمْ إنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكا وكان في بني إسرائيل سبطان : سبط نبوّة ، وسبط خلافة . فلذلك قالُوا أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا يقولون : ومن أين يكون له الملك علينا ، وليس من سبط النبوّة ، ولا سبط الخلافة قالَ إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وزَادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْمِ .
حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا فذكر نحوه .
حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : لما قالت بنو إسرائيل لنبيهم : سل ربك أن يكتب علينا القتال فقال لهم ذلك النبيّ : هَلْ عَسَيْتُمْ إنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ . . . الآية . قال : فبعث الله طالوت ملكا . قال : وكان في بني إسرائيل سبطان : سبط نبّوة ، وسبط مملكة ، ولم يكن طالوت من سبط النبوّة ولا من سبط المملكة . فلما بعث لهم ملكا أنكروا ذلك ، وعجبوا وقالوا : أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنحْنُ أحَقّ بالمُلْكِ مِنْهُ ولَمْ يُؤتَ سَعَةً مِنَ المَالِ قالوا : وكيف يكون له الملك علينا وليس من سبط النبوّة ولا من سبط المملكة فقال : إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ . . . الآية .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : أما ذكر طالوت إذ قالوا : أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنحْنُ أحَقّ بالمُلْكِ مِنْهُ وَلْم يُؤتَ سَعَةً مِنَ المَالِ فإنهم لم يقولوا ذلك إلا أنه كان في بني إسرائيل سبطان ، كان في أحدهما النبوّة ، وكان في الاَخر الملك ، فلا يبعث إلا من كان من سبط النبوّة ، ولا يملك على الأرض أحد إلا من كان من سبط الملك . وإنه ابتعث طالوت حين ابتعثه وليس من أحد السبطين ، واختاره عليهم وزاده بسطة في العلم والجسم ومن أجل ذلك قالوا : أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنحْنُ أحَقّ بالمُلْكِ مِنْهُ وليس من واحد من السبطين ، قال : إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ إلى : وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس قوله : ألَمْ تَرَ إلى المَلإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ موسَى . . . الآية . هذا حين رفعت التوراة واسْتخرِج أهل الإيمان ، وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم فلما كتب عليهم القتال وذلك حين أتاهم التابوت قال : وكان من بني إسرائيل سبطان : سبط نبوّة وسبط خلافة ، فلا تكون الخلافة إلا في سبط الخلافة ، ولا تكون النبوّة إلا في سبط النبوّة ، فقال لهم نبيهم : إنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكا قالُوا أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنحْنُ أحَقّ بالمُلْكِ مِنْهُ وليس من أحد السبطين ، لا من سبط النبوّة ولا سبط الخلافة . قال إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ . . . الآية .
وقد قيل : إن معنى الملك في هذا الموضع : الإمرة على الجيش . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد قوله : إنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكا قال : كان أمير الجيش .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بمثله ، إلا أنه قال : كان أميرا على الجيش .
وقد بينا معنى «أنّى » ، ومعنى الملك فيما مضى ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
القول في تأويل قوله تعالى : قال : إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وزَادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْمِ .
يعني تعالى ذكره بقوله : إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ قال نبيهم شمويل لهم : إن الله اصطفاه عليكم يعني اختاره عليكم . كما :
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ اختاره .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ قال : اختاره عليكم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ اختاره .
وأما قوله : وزَادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْمِ فإنه يعني بذلك : إن الله بسط له في العلم والجسم ، وآتاه من العلم فضلاً على ما أتى غيره من الذين خوطبوا بهذا الخطاب . وذلك أنه ذكر أنه أتاه وحي من الله وأما في الجسم ، فإنه أوتي من الزيادة في طوله عليهم ما لم يؤته غيره منهم . كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : حدثني عبد الصمد بن معقل ، عن وهب بن منبه ، قال : لما قالت بنو إسرائيل : أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنحْنُ أحَقّ بالمُلْكِ مِنْهُ ولَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المَالِ قالَ إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وزَادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْمِ قال : واجتمع بنو إسرائيل ، فكان طالوت فوقهم من منكبيه فصاعدا .
وقال السدي : أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم بعصا تكون مقدارا على طول الرجل الذي يبعث فيهم ملكا فقال : إن صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا . فقاسوا أنفسهم بها فلم يكونوا مثلها ، فقاسوا طالوت بها فكان مثلها .
حدثني بذلك موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن الله اصطفاه عليكم وزاده مع اصطفائه إياه بسطة في العلم والجسم يعني بذلك : بسط له مع ذلك في العلم والجسم . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وزَادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْمِ بعد هذا .
القول في تأويل قوله تعالى : وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ .
يعني تعالى ذكره بذلك : أن الملك لله وبيده دون غيره يؤتيه . يقول : يؤتي ذلك من يشار فيضعه عنده ، ويخصه به ، ويمنحه من أحبّ من خلقه . يقول : فلا تستنكروا يا معشر الملإ من بني إسرائيل أن يبعث الله طالوت ملكا عليكم وإن لم يكن من أهل بيت المملكة ، فإن الملك ليس بميراث عن الاَباء والأسلاف ، ولكنه بيد الله يعطيه من يشاء من خلقه ، فلا تتخيروا على الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني ابن إسحاق ، قال : حدثني بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه : وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ الملك بيد الله يضعه حيث شاء ، ليس لكم أن تختاروا فيه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال مجاهد : ملكه : سلطانه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ سلطانه .
وأما قوله : وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ فإنه يعني بذلك والله واسع بفضله ، فينعم به على من أحبّ ، ويريد به من يشاء عَلِيمٌ بمن هو أهل لملكه الذي يؤتيه ، وفضله الذي يعطيه ، فيعطيه ذلك لعلمه به ، وبأنه لما أعطاه أهل إما للإصلاح به وإما لأن ينتفع هو به .
قال وهب بن منبه : «إنه لما قال الملأ من بني إسرائيل لسمويل بن بالي ما قالوا ، سأل الله تعالى أن يبعث لهم ملكاً ويدله عليه ، فقال الله تعالى له : انظر إلى القرن الذي فيه الدهن في بيتك ، فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي في القرن فهو ملك بني إسرائيل( {[2377]} ) ، فادهن رأسه منه وملكه عليهم ، قال : وكان طالوت رجلاً دباغاً ، وكان من سبط بنيامين بن يعقوب( {[2378]} ) ، وكان سبطاً لا نبوة فيه ولا ملك ، فخرج طالوت في بغاء( {[2379]} ) دابة له أضلها ، فقصد سمويل عسى أن يدعو له في أمر الدابة أو يجد عنده فرجاً ، فنش الدهن » .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهو دهن القدس فيما يزعمون ، قال : فقام إليه سمويل فأخذه ودهن منه رأس طالوت ، وقال له : أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله بتقديمه ، ثم قال لبني إسرائيل «إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً » ، و { طالوت } اسم أعجمي معرب ولذلك لم ينصرف ، وقال السدي : «إن الله أرسل إلى شمعون عصاً وقال له : من دخل عليك من بني إسرائيل فكان على طول هذه العصا فهو ملكهم ، فقيس بها بنو إسرائيل فكانت تطولهم حتى مر بهم طالوت في بغاء حماره الذي كان يسقي عليه ، وكان رجلاً سقاء ، فدعوه فقاسوه بالعصا فكان مثلها ، فقال لهم نبيهم ما قال ، ثم إن بني إسرائيل تعنتوا وحادوا عن أمر الله تعالى ، وجروا على سننهم فقالوا : { أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه } ، أي لأنه ليس في بيت ملك ولا سبقت له فيه سابقة . { ولم يؤت } مالاً واسعاً يجمع به نفوس الرجال حتى يغلب أهل الأنفة بماله .
قال القاضي أبو محمد : وترك القوم السبب الأقوى وهو قدر الله وقضاؤه السابق( {[2380]} ) ، وانه مالك الملك ، فاحتج عليهم نبيهم عليه السلام بالحجة القاطعة ، وبيّن لهم مع ذلك تعليل اصطفائه طالوت ، وأنه زاده بسطة في العلم وهو ملاك الإنسان ، والجسم الذي هو معينه في الحرب وعدته عند اللقاء( {[2381]} ) ، قال ابن عباس : » كان في بني إسرائيل سبطان أحدهما للنبوة والآخر للملك ، فلا يبعث نبي إلا من الواحد ولا ملك إلا من الآخر ، فلما بعث طالوت من غير ذلك قالوا مقالتهم « ، قال مجاهد : معنى الملك في هذه الآية الإمرة على الجيش .
قال القاضي أبو محمد : ولكنهم قلقوا لأن من عادة من تولى الحرب وغلب أن يستمر ملكاً ، و { اصطفى } افتعل ، مأخوذ من الصفوة ، وقرأ نافع «بصطة » بالصاد ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير «بسطة » بالسين ، والجمهور على أن العلم في هذه الآية يراد به العموم في المعارف ، وقال بعض المتأولين : المراد علم الحرب ، وأما جسمه فقال وهب بن منبه : إن أطول رجل في بني إسرائيل كان يبلغ منكب طالوت .
{ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ }
لما علم نبيهم عليه السلام تعنتهم وجدالهم في الحجج تمم كلامه بالقطعي( {[2382]} ) الذي لا اعتراض عليه ، وهو قوله : { والله يؤتي ملكه من يشاء } ، وظاهر اللفظ أنه من قول النبي لهم ، وقد ذهب بعض المتأولين إلى أنه من قول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم ، والأول أظهر ، وأضيف ملك الدنيا إلى الله تعالى ، إضافة مملوك إلى مالك ، و { واسع } معناه وسعت قدرته وعلمه كل شيء ،
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وقال لهم نبيهم إن الله} عز وجل {قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا}: وليس طالوت من سبط النبوة ولا من سبط الملوك، وكان طالوت فيهم حقير الشأن، {ونحن أحق بالملك منه}؛ منا الأنبياء والملوك، {ولم يؤت} طالوت {سعة من المال} أن ينفق علينا.
{قال لهم نبيهم إن الله} عز وجل {اصطفاه عليكم}: يعني اختاره... {وزاده بسطة في العلم والجسم}؛ وكان أعلم بني إسرائيل، وكان جسيما عالما. {والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع} يعطيه الملك. {عليم} بمن يعطيه الملك...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقال للملأ من بني إسرائيل نبيّهم: إن الله قد أعطاكم ما سألتم، وبعث لكم طالوت ملكا. فلما قال لهم نبيهم ذلك، قالوا: أنى يكون لطالوت الملك علينا، وهو من سبط بنيامين بن يعقوب، وسبط بنيامين سبط لا ملك فيهم ولا نبوّة، "ونحن أحقّ بالملك منه"، لأنا من سبط يهوذا بن يعقوب، "وَلمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المَالِ "يعني: ولم يؤت طالوت كثيرا من المال.
وقد قيل: إن معنى الملك في هذا الموضع: الإمرة على الجيش. "قال إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وزَادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْمِ": قال نبيهم لهم: إن الله اختاره عليكم. "وزَادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْمِ": إن الله بسط له في العلم والجسم، وآتاه من العلم فضلاً على ما أتى غيره من الذين خوطبوا بهذا الخطاب. وذلك أنه ذكر أنه أتاه وحي من الله، وأما في الجسم، فإنه أوتي من الزيادة في طوله عليهم ما لم يؤته غيره منهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن الله اصطفاه عليكم وزاده مع اصطفائه إياه بسطة في العلم والجسم يعني بذلك: بسط له مع ذلك في العلم والجسم. "وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ": أن الملك لله وبيده دون غيره يؤتيه، يقول: يؤتي ذلك من يشار فيضعه عنده، ويخصه به، ويمنحه من أحبّ من خلقه. يقول: فلا تستنكروا يا معشر الملإ من بني إسرائيل أن يبعث الله طالوت ملكا عليكم وإن لم يكن من أهل بيت المملكة، فإن الملك ليس بميراث عن الاَباء والأسلاف، ولكنه بيد الله يعطيه من يشاء من خلقه، فلا تتخيروا على الله.
"وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ": والله واسع بفضله، فينعم به على من أحبّ، ويريد به من يشاء عَلِيمٌ بمن هو أهل لملكه الذي يؤتيه، وفضله الذي يعطيه، فيعطيه ذلك لعلمه به، وبأنه لما أعطاه أهل إما للإصلاح به وإما لأن ينتفع هو به.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} قيل: سمى طالوتا لطوله وقوته.
{قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال} يتوجه مثل هذا الكلام وجهين:
أحدهما: على الإنكار، فلا يحتمل على الإنكار لأنه كفر.
والثاني: على الاسترشاد وطلب العلم لهم منه في ذلك عن جهة جعله له ملكا لما قد عرفوا: لا يستوجب الملك، ولا يولي إلا أحد رجلين إما بالوراثة من الآباء أو بالسعة من المال، لذلك قالوا: {ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال} لأنهم كانوا أبناء الملوك وأرباب الأموال...
ثم بين لهم عز جلا له أن جهة الاختيار ليست إليهم وأن سبب الملك ليس ما ذكروه دون غيره، بل الله عز وجل يختار من يشاء لذلك بأسباب سوى ما ذكروا بفضل علم وبفضل قوة حين {قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء} [إذ] الملك يحتاج إلى فضل علم وفضل قوة.
ثم يحتمل قوله: {بسطة في العلم} علم الحرب والقتال، ويحتمل علم الأشياء الأخر على حفظ الرعية وغيره...
قال الشيخ، رحمه الله، في قوله: {أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه}؛ فهو، والله اعلم، لأي معنى جعل له الملك علينا؟ أو كيف يكون له الملك علينا، ونحن بظاهر الأسباب التي تحقق الملك أملك، فنكون بها أحق بالملك منه؟ فبين أن المعنى الذي له صار أحق بالملك منهم في ذلك الأمر، والله أعلم. والحرف [{أنى}] وإن كان بما يتعارف في الإنكار، فليس هو كذلك، في الحقيقة؛ إذ قد أخبرهم من هو نبي عندهم، ومن تقرر عنده نبوة أحد لا يحتمل تكذيبه إياه في هذا، والله أعلم، ويحتمل كون أهل النفاق فيهم، فيكون منهم الإنكار أيضا كما كان أمثال ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤيد سؤالهم الآية حتى قال: {إن آية ملكه} [البقرة: 248] كذا، والله تعالى أعلم، ويؤيد ذلك كثرة مخالفتهم إياه لما امتحنوا بالنهر، والله الموفق...
وقوله: {والله واسع عليم}؛ {واسع} أي غنى يغني من يشاء، ويعطيه {عليم} بمن يصلح للملك...
قوله تعالى: {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنَّى يكون له الملك علينا} الآية، يدلّ على أن الإمامة ليست وراثة، لإنكار الله تعالى عليهم ما أنكروه من التمليك عليهم مَنْ ليس مِنْ أهل النبوة ولا المُلْك، وبيّن أن ذلك مُسْتَحَقٌّ بالعلم والقوة لا بالنسب. ودلّ ذلك أيضاً على أنه لا حظَ للنسب مع العلم وفضائل النفس وأنها مقدمة عليه، لأن الله أخبر أنه اختاره عليهم لعلمه وقوته وإن كانوا أشرفَ منه نَسَباً. وذِكْرُه للجسم ههُنا عبارة عن فضل قوته، لأن في العادة من كان أعظم جسماً فهو أكثر قوة؛ ولم يُرِدْ بذلك عِظَمَ الجسم بلا قوة، لأن ذلك لا حظَّ له في القتال، بل هو وَبَالٌ على صاحبه إذا لم يكن ذا قوة فاضلة...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
نسوا حق الاختيار، فنظروا إلى الحال بعين الظاهر، فاستبعدوا أن يكون طالوت ملكاً لأنه كان فقيراً لا مال له، فبيَّن لهم أن الفضيلة باختيار الحق، وأنه وإن عَدِمَ المالَ فقد زاده الله علماً فَفَضَلَكم بعلمه وجسمه، وقيل أراد أنه محمود خصال النفس ولم يُرِدْ عظيم البِنْيَة فإن في المثل:"فلان اسم بلا جسم" أي ذكر بلا معنى.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{قَالَ إِنَّ الله اصطفاه عَلَيْكُمْ} يريد أنّ الله هو الذي اختاره عليكم، وهو أعلم بالمصالح منكم ولا اعتراض على حكم الله. ثم ذكر مصلحتين أنفع مما ذكروا من النسب والمال وهما العلم المبسوط والجسامة. والظاهر أنّ المراد بالعلم المعرفة بما طلبوه لأجله من أمر الحرب. ويجوز أن يكون عالماً بالديانات وبغيرها...
وذلك أنّ الملك لا بدّ أن يكون من أهل العلم، فإنّ الجاهل مزدرى غير منتفع به، وأن يكون جسيماً يملأ العين جهارة لأنه أعظم في النفوس وأهيب في القلوب. والبسطة: السعة والامتداد...
{و الله يُؤْتِى مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ} أي الملك له غير منازع فيه، فهو يؤتيه من يشاء: من يستصلحه للملك {والله واسع} الفضل والعطاء، يوسع على من ليس له سعة من المال ويغنيه بعد الفقر {عَلِيمٌ} بمن يصطفيه للملك...
[و] قدم البسطة في العلم، على البسطة في الجسم، وهذا منه تعالى تنبيه على أن الفضائل النفسانية أعلى وأشرف وأكمل من الفضائل الجسمانية...
"وقال لهم نبيهم" إن قلت: لِمَ أضافه هنا إليهم ولم يضفه في {إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ}؟ قلنا: إنّما أضافه هنا لأنه في مقام التبليغ لهم بخلاف الأول فإنه حكاية عن (مقالتهم) التي لم يوفّوا بها وعصوا وقدم المجرور لأنهم المقصودون بالذكر.
قال ابن عرفة: واستدلّوا على مرجوحية ملكه بالأصل، لأنه ليس في آبائه ملك ولا نبي أحق منه بالعادة لأن الأمير باعتبار العادة لا بد أن يكون غنيا عن غيره ولا يكون فقيرا أصلا. وغالطوا في احتجاجهم فأتوا بدليل ظاهره صواب يمكن قبوله فقالوا: {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المال}. وعدلوا عن أن يقولوا: ولم يؤت شيئا من المال، لئلا يرمى دليلهم في وجوههم فيقال لهم: قد أوتي بعض المال وإنْ قل مع أن طالوت لم يكن لديه مال البتة. فأجيبوا عن الدليل الأول بقول الله تعالى: {إِنَّ الله اصطفاه عَلَيْكُمْ} فلا مزية لكم عليه بآبائكم، وعن الثاني بأن الزيادة في العلم والجسم أرجح من الزيادة في المال، فإنّ المال سريع الذّهاب والعلم إذا حصل ثابت لا يزول وكذلك الجسم الطويل لا يعود قصيرا بوجه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما أرشد العطف على غير مذكور إلى أن التقدير: فقال لهم نبيّهم: ألم أقل لكم: لا تسألوا البلاء ولا تدانوا أمر القضاء، فإن أكثر قول النفس كذب وجل أمانيها زور وأما أمر الله فمتى برز يجب، عطف عليه قوله: {وقال لهم} أي خاصة لم يكن معهم أحد غيرهم يحال عليهم جوابهم الذي لا يليق وصرح بالمقصود لئلا يظن أن القائل الله وأنهم واجهوه بالاعتراض فقال: {نبيهم} أي الذي تقدم أنهم سألوه ذلك مؤكداً معظماً محققاً بأداة التوقع لأن سؤالهم على لسان نبي يقتضي توقع الإجابة {إن الله} أي بجلاله وعزّ كماله {قد}. ولما كان إلباس الشخص عزّ الملك مثل إعزاز الجماد بنفخ الروح كان التعبير عن ذلك بالبعث أليق فقال: {بعث لكم} أي خاصة لأجل سؤالكم {طالوت} اسم ملك من بني إسرائيل من سبط لم يكن الملك فيهم {ملكاً} تنتهون في تدبير الحرب إلى أمره.
قال الحرالي: فكان أول ما ابتلوا به أن ملك عليهم من لم يكن من أهل بيت الملك عندهم فكان أول فتنتهم بما طلبوا ملكاً فأجيبوا فلم يرضوا بما بعث لهم...
ولما أجابهم إلى ما سألوا كان من أول جلافتهم اعتراضهم على أمر الملك الديان الذي أورده لهم باسمه الأعظم الدال على جميع الكمال من الجلال والجمال ليكون أجدر لهم بقبول أمره والوقوف عند زجره وأورد اعتراضهم في جواب من كأنه قال: ما فعلوا إذ أجابهم إلى ما سألوا؟ فقال: {قالوا} أي هم لا غيرهم {أنى} أي من أين وكيف {يكون له} أي خاصة {الملك علينا ونحن} أي والحال أنا نحن {أحق بالملك منه} لأن فينا من هو من سبط الملوك دونه.
قال الحرالي: فثنوا اعتراضهم بما هو أشد وهو الفخر بما ادعوه من استحقاق الملك على من ملكه الله عليهم فكان فيه حظ من فخر إبليس حيث قال حين أمر بالسجود لآدم: {أنا خير منه} [ص: 76]...
{ولم} أي والحال أنه لم {يؤت سعة من المال} أي فصار له مانعان: أحدهما أنه ليس من بيت المملكة، والثاني أنه مملق والملك لا بد له من مال يعتضد به.
قال الحرالي: فكان في هذه الثالثة فتنة استصنام المال وأنه مما يقام به ملك وإنما الملك بإيتاء الله فكان في هذه الفتنة الثالثة جهل وشرك، فتزايدت صنوف فتنتهم فيما انبعثوا إلى طلبه من أنفسهم...
ولما كان الخلق كلهم متساوين في أصل الجسمية وإنما جاء تفضيل بعضهم على بعض من الله فكان هو المدار علق الأمر به في قوله: {قال} أي النبي لا غيره مؤكداً لأجل إنكارهم معظماً عليهم الحق بإعادة الاسم الأعظم {إن الله} أي الذي له جميع الأمر فلا اعتراض عليه وهو أعلم بالمصالح {اصطفاه} قال الحرالي: والاصطفاء أخذ الصفوة...
ولما كان ذلك مضمناً معنى ملكه قال في تعديته {عليكم} ثم أتبع ذلك ما أودعه سبحانه مما اقتضى ذلك فقال: {وزاده} أي عليكم {بسطة في العلم} الذي به تحصل المكنة في التدبير والنفاذ في كل أمر، وهو يدل على اشتراط العلم في الملك، وفي تقديمه أن الفضائل النفسانية أشرف من الجسمانية وغيرها، وأن الملك ليس بالإرث {والجسم} الذي به يتمكن من الظفر بمن بارزه من الشجعان وقصده من سائر الأقران.
ولما كان من إليه شيء كان له الخيار في إسناده إلى غيره قال: (والله} أي اصطفاه والحال أن الملك الذي لا أمر لغيره {يؤتي ملكه} أي الذي هو له وليس لغيره فيه شيء {من يشاء} كما آتاكموه بعد أن كنتم مستعبدين عند آل فرعون {والله} الذي له الإحاطة الكاملة فلا يجوز الاعتراض عليه {واسع} أي في إحاطة قدرته وشمول عظمته وكثرة جنوده ورزقه {عليم *} أي بالغ العلم، فما اختاره فهو المختار وليس لأحد معه خيرة فهو يفعل بما له من السعة في القدرة والعلم ما قد لا تدركه العقول ولا تحتمل وصفه الألباب والفهوم ويؤتي من ليس له مال من خزائن رزقه ما يشاء.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
فسروا اصطفاء الله تعالى هنا بوحيه لذلك النبي أن يجعل طالوت ملكا عليهم، ولعله لو كان هذا هو المراد لقال اصطفاه لكم كما قال: {اصطفى لكم الدين} (البقرة: 122) والمتبادر عندي أن معناه: فضله واختاره عليكم بما أودع فيه من الاستعداد الفطري للملك، ولا ينافي هذا كون اختياره كان بوحي من الله، لأن هذه الأمور هي بيان لأسباب الاختيار وهي أربعة: 1 الاستعداد الفطري. 2 السعة في العلم الذي يكون به التدبير. 3 بسطة الجسم المعبر بها عن صحته وكمال قواه المستلزم ذلك لصحة الفكر، على قاعدة "العقل السليم في الجسم السليم"، وللشجاعة والقدرة على المدافعة، وللهيبة والوقار. 4 توفيق الله تعالى الأسباب له وهو ما عبر عنه بقوله: {والله يؤتي ملكه من يشاء}. والاستعداد هو الركن الأول في المرتبة فلذلك قدمه، والعلم بحال الأمة ومواضع قوتها وضعفها، وجودة الفكر في تدبير شؤونها، هو الركن الثاني في المرتبة، فكم من عالم بحال زمانه غير مستعد للسلطة اتخذه من هو مستعد لها سراجا يستضيء برأيه في تأسيس مملكة أو سياستها، ولم ينهض به رأيه إلى أن يكون هو السيد الزعيم فيها. وكمال الجسم في قواه وروائه هو الركن الثالث في المرتبة وهو في الناس أكثر من سابقيه. نعم إذا أراد الله إسعاد أمة جعل ملكها مقويا لما فيها من الاستعداد للخير حتى يغلب خيرها على شرها فتكون سعيدة، وإذا أراد إهلاك أمة جعل ملكها مقويا لدواعي الشر فيها حتى يغلب شرها على خيرها فتكون شقية ذليلة، فتعدو عليها أمة قوية، فلا تزال تنقصها من أطرافها، وتفتات عليها في أمورها، أو تناجزها الحرب، حتى تزيل سلطانها من الأرض، يريد الله تعالى ذلك فيكون بمقتضى سننه في نظام الاجتماع، فهو يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء بعدل وحكمة، لا بظلم ولا عبث، ولذلك قال: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} (الأنبياء: 105) وقال: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} (الأعراف: 128) فالمتقون في هذا المقام مقام استعمار الأرض والسيادة في الممالك هم الذين يتقون أسباب خراب البلاد وضعف الأمم، وهي الظلم في الحكام والجهل وفساد الأخلاق في الدولة والأمة، وما يتبع ذلك من التفرق والتنازع والتخاذل، والصالحون في هذا المقام هم الذين يصلحون لاستعمار الأرض وسياسة الأمم بحسب استعدادها الاجتماعي.
وكان الأستاذ الإمام أوجز في الدرس بتفسير قوله تعالى: {والله يؤتي ملكه من يشاء} إذ جاء في آخره. وقد كتبت في مذكرتي عنه "أي أن له سنة في تهيئة من يشاء للملك "ومثل هذا الإجمال لا يعقله إلا من جمع بين الآيات الكثيرة في إرث الأرض وفي هلاك الأمم وتكونها، والآيات الواردة في أن له تعالى في البشر سننا لا تتبدل ولا تتحول وقد ذكرنا بعضها، ومنها قوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (الرعد: 11) فحالة الأمم في صفات أنفسها وهي عقائدها ومعارفها وأخلاقها وعاداتها، هي الأصل في تغير ما بها من سيادة أو عبودية وثروة أو فقر وقوة أو ضعف، وهي هي التي تمكن الظالم من إهلاكها. والغرض من هذا البيان أن نعلم أنه لا يصح لنا الاعتذار بمشيئة الله عن التقصير في إصلاح شؤوننا اتكالا على ملوكنا، فإن مشيئته تعالى لا تتعلق بإبطال سننه تعالى وحكمته في نظام خلقه، ولا دليل في الكتاب والسنة ولا في العقل ولا في الوجود على أن تصرف الملوك في الأمم هو بقوة إلهية خارقة للعادة، بل شريعة الله تعالى وخليقته شاهدتان بضد ذلك {فاعتبروا يا أولي الأبصار} (الحشر: 2).
ثم ختم الآية بقوله تعالى: {والله واسع عليم} على طريقة القرآن في التنبيه على الدليل بعد الحكم والتذكير بأسمائه الحسنى وآثارها، أي واسع التصرف والقدرة إذا شاء أمرا اقتضته حكمته في نظام الخليقة فإنه يقع لا محالة، عليم بوجود الحكمة فلا يضع سنته في استحقاق الملك عبثا، ولا يترك أمر العباد في اجتماعهم سدى، بل وضع لهم من السنن الحكيمة ما هو منتهى الإبداع والإتقان، وليس في الإمكان أبدع مما كان.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وفي هذه اللجاجة تتكشف سمة من سمات إسرائيل التي وردت الإشارات إليها كثيرة في هذه السورة.. لقد كان مطلبهم أن يكون لهم ملك يقاتلون تحت لوائه. ولقد قالوا: إنهم يريدون أن يقاتلوا (في سبيل الله). فها هم أولاء ينغضون رؤوسهم، ويلوون اعناقهم، ويجادلون في اختيار الله لهم كما أخبرهم نبيهم؛ ويستنكرون أن يكون طالوت -الذي بعثه الله لهم- ملكا عليهم. لماذا؟ لأنهم أحق بالملك منه بالوراثة. فلم يكن من نسل الملوك فيهم! ولأنه لم يؤت سعة من المال تبرر التغاضي عن أحقية الوراثة!.. وكل هذا غبش في التصور، كما أنه من سمات بني إسرائيل المعروفة.. ولقد كشف لهم نبيهم عن أحقيته الذاتية، وعن حكمة الله في اختياره: {قال: إن الله اصطفاه عليكم، وزاده بسطة في العلم والجسم. والله يؤتي ملكه من يشاء. والله واسع عليم}.. إنه رجل قد اختاره الله.. فهذه واحدة.. وزاده بسطة في العلم والجسم.. وهذه أخرى.. والله (يؤتي ملكه من يشاء).. فهو ملكه، وهو صاحب التصرف فيه، وهو يختار من عباده من يشاء.. (والله واسع عليم).. ليس لفضله خازن وليس لعطائه حد. وهو الذي يعلم الخير، ويعلم كيف توضع الأمور في مواضعها..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أعاد الفعل في قوله: {وقال لهم نبيهم} للدلالة على أن كلامه هذا ليس من بقية كلامه الأول، بل هو حديث آخر متأخر عنه وذلك أنه بعد أن حذرهم عواقب الحكومة الملكية وحذرهم التولي عن القتال، تكلم معهم كلاماً آخَرَ في وقت آخر. وتأكيدُ الخبر بإنَّ إيذان بأن من شأن هذا الخبر أن يُتلقى بالاستغراب والشك، كما أنبأ عنه قولهم: {أنى يكون له الملك علينا}. والسر في اختيار نبيئهم لهم هذا الملك أنه أراد أن تبقى لهم حالتهم الشورية بقدر الإمكان، فجعل مَلِكهم من عامتهم لا من سادتهم، لتكون قدمه في الملك غير راسخة، فلا يخشى منه أن يشتد في استعباد أمته، لأن الملوك في ابتداء تأسيس الدول يكونون أقرب إلى الخير لأنهم لم يعتادوا عظمة الملك ولم ينسوا مساواتَهم لأمثالهم...
فقولهم: {ونحن أحق بالملك} جملة حالية، والضمير من المتكلمين، وهم قادة بني إسرائيل وجعلوا الجملة حالاً للدلالة على أنهم لما ذكروا أحقيتهم بالملك لم يحتاجوا إلى الاستدلال على ذلك؛ لأن هذا الأمر عندهم مسلم معروف، إذ هم قادة وعرفاء، وشاوول رجل من السوقة، فهذا تسجيل منهم بأرجحيتهم عليه،
وقوله: {ولم يؤت سعة من المال} معطوفة على جملة الحال فهي حال ثانية. وهذا إبداء مانع فيه من ولايته الملك في نظرهم، وهو أنه فقير، وشأن الملك أن يكون ذا مال ليكفي نوائب الأمة فينفق المال في العدد والعطاء وإغاثة الملهوف، فكيف يستطيع من ليس بذي مال أن يكون ملكاً، وإنما قالوا هذا لقصورهم في معرفة سياسة الأمم ونظام الملك؛ فإنهم رأوا الملوك المجاورين لهم في بذخة وسعة، فظنوا ذلك من شروط الملك.
ولذا أجابهم نبيئهم بقوله: {إن الله اصطفاه عليكم} رادّاً على قولهم: {ونحن أحق بالملك منه} فإنهم استندوا إلى اصطفاء الجمهور إياهم فأجابهم بأنه أرجح منهم لأن الله اصطفاه، وبقوله: {وزاده بسطة في العلم والجسم} راداً عليهم قولهم: {ولم يؤت سعة من المال} أي زاده عليكم بسطة في العلم والجسم، فأعلمهم نبيئهم أن الصفات المحتاج إليها في سياسة أمر الأمة ترجع إلى أصالة الرأي وقوة البدن؛ لأنه بالرأي يهتدي لمصالح الأمة، لا سيما في وقت المضائق، وعند تعذر الاستشارة أو عند خلاف أهل الشورى وبالقوة يستطيع الثبات في مواقع القتال فيكون بثباته ثبات نفوس الجيش. فالعلم المراد هنا، هو علم تدبير الحرب وسياسة الأمة... والبسطة اسم من البسط وهو السعة والانتشار، فالبسطة الوفرة والقوة من الشيء...
{والله يؤتي ملكه من يشاء} يحتمل أن يكون من كلام النبي، فيكون قد رجع بهم إلى التسليم إلى أمر الله، بعد أن بين لهم شيئاً من حكمة الله في ذلك. ويحتمل أن يكون تذييلاً للقصة من كلام الله تعالى، وكذلك قوله: {والله واسع عليم}.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
{وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} لقد ذكر الله سبحانه وتعالى حالهم عند القتال عندما طلبوه، ليبين سبحانه الفارقة بين القول والعمل عند الذين غلبت عليهم الذلة، واستولت عليهم شهواتهم...
{وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} أي أن الله سبحانه قد أخرج من صفوفكم – وهو العليم الحكيم الخبير بأحوالكم – شخصا قد استوفى كل أسباب الرياسة وجعله ملكا عليكم. وفي التعبير إشارة إلى أنه أمثلهم وأقواهم على تحمل أعباء الحكم؛ لأن "بعث "تتضمن معنى الإثارة والفحص ثم الإخراج. و الملك المراد به هنا فيما يظهر مالك أمرهم، والمتولي ملكهم، وليس المراد منه المعنى المتعارف، وهو من يتولى بالسلالة، فإنه سيتبين أنه لم يختر لسلالته، بل اختير لعلمه وحكمته وقوته، ولم يستمر الملك في ذريته، بل آل من بعده لنبي الله داود كما تدل على ذلك أخبار داود التي ذكرها القرآن الكريم، فقد آتاه الله الملك والحكم، وإنه اختير باختيار الله تعالى بما أوحى به لنبيه، ولم يكن باختيارهم حتى لا يتنافسوا فيكون بأسهم بينهم شديدا بدل أن يكون على عدوهم. فليس في الآية دلالة على أن النظام الملكي الذي نعرفه في عصرنا مطلوب لا بالعبارة ولا بالإشارة؛ لأنها ليست ملكية الوراثة والسلالة، بل رياسة العلم والقدرة والحكمة، فما اختير طالوت لسلالته ونسبه بل اختير لمعان شخصية فيه.
لقد كان مقتضى ما طلبوه من نبيهم من أن يختار ملكا أن ينفذوا من غير تردد الأمر فيما اختاره بهداية الله ووحيه؛ لأنهم فوضوا الأمر إلى نبيهم؛ ولأن الله سبحانه وتعالى هو الذي اختاره، وما كان لهم الخيرة بعد اختيار الله سبحانه وتعالى؛ ولأن الله قد اختاره لأجلهم ومصلحتهم، ولذا عبر سبحانه وتعالى بقوله: {بعث لكم طالوت} فالتعبير ب "لكم "إشارة إلى أنه في مصلحتكم، وأنكم ستنتفعون بقوته، وستكون قوته لكم على أعداكم. و لكنهم بدل أن يطيعوا ويأخذوا الأهبة أثاروا اللجاجة التي تعودوها، ولذلك قال سبحانه حكاية عنهم: {قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال}. تمردوا على نبيهم بذلك الاعتراض.
لقد أبدوا اعتراضهم بعد أن فوضوا الأمر فناقضوا أنفسهم، وبنوا الاعتراض على أسباب جعلوها مناط الملك، وليست هي السبب للرياسة الصالحة والملك القوي، ظنوا أن سبب الملك أحد الأمرين: إما سعة من المال وثروة طائلة، وإما سلالة ملكية توارثها، فقالوا: {أنى يكون له الملك علينا} من أي جهة استمد الملك، أي أنه ليس في عروقه دم ملكي يستحق به الملك، وليس هو ذا نسب رفيع، بل أي واحد منا أحق بالملك منه؛ لأنه ليس من الأشراف، ولئن تجاوزنا شرف النسب وكرم الولادة لنجدن أنه فقير ليس في سعة من المال، فقد سلب منه سببا السيادة، وهما النسب والمال. و كذلك يكون تفكير الجماعات التي سيطر عليها الأهواء، وغلبت على أمرها، تتجه إلى الماديات فتحكمها، وتفقد تقدير المعنويات، وبذلك تختل مقاييس التقدير، فأول ما تبتلى به الجماعات الضعيفة أن تختل مقاييس العظمة فيها، فإنه إذا اختل مقياس العظمة غمر العظماء، ولم يظهروا إلا بالمصادفات أو القوى الخارقة، والعظماء في الأمم هم القمم العالية التي تهدي إلى مواطن القوة، وتثير العزة من مكامنها. و إن أردت أن تعرف مقياسا ضابطا لرقي أمة من الأمم فخذه من مقياس العظمة فيها، وقد كان بنو إسرائيل في وقت هذه القصة في أشد الانهيار الخلقي كما يدل على ذلك مقياسهم للعظمة بالسلالة والمال.
و البسطة في العلم معناها الاتساع في الأفق والتجارب، وقوة العقل والتدبير والإحكام في التفكير، فالبسطة معناها الاتساع، وإذا أضيفت إلى العلم فمعناها الاتساع والإحاطة بكل ما يوجه العقل إلى التفكير المستقيم مع سلامة العقل نفسه. و يلاحظ أنه قدمت بسطة العلم على بسطة الجسم للإشارة إلى أنها في الرياسة أقوى تأثيرا، وأنها الأصل وغيرها التابع، وأنه ليست الحاجة إلى قوة الجسم بمقدار الحاجة إلى قوة الرأي والتدبير وسعة العلم وكثرة التجارب.
{والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم} ذيل الله سبحانه وتعالى هذه الآية الكريمة بهذه الجملة السامية، للدلالة على أمرين:
أولهما: أن الأمور كلها بيده سبحانه وتعالى، وأنه فعال لما يريد، وأن ما يشاء في هذا الكون يقع، وما لا يشاء لا يقع، وأنه سبحانه يؤتي الملك في الدنيا لمن يشاء، وأنه إذ يعطيه هو المسيطر عليه، ولذلك أضيف الملك إليه إذ قال {ملكه} فهو إذ يعطيه لمن يعطيه هو الغالب على أمره يستطيع أن يسلبه في أي وقت شاء، فهو مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، وهو القاهر فوق عباده.
ثانيهما: أن كل شيء في الوجود تحت سلطان الله تعالى، وهذا معنى أن الله واسع، أي محيط بكل شيء، قد وسع كل شيء برحمته وقدرته، وأنه يدبر الأمور على مقتضى العلم الواسع الشامل، فهو يربط الأسباب والمسببات، وهو يعطي لحكمة يعلمها، ويمنع لحكمة يعلمها، يبتلي الأمم بالقوة والضعف، والعزة والذلة، والهزيمة والانتصار، والبأساء والضراء، ثم النعماء والسراء، كما قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة...35} (الأنبياء) وعلى الأمم المغلوبة أن تتخذ الأسباب بجمع الكلمة، وتأليف القلوب، وتحرير النفوس من ربقة الأهواء والشهوات، ولا تستسلم للضعف، ولا تستخذي للقوي، وتناضل وتكافح وتصابر، وتتوكل على الله، وإلى الله مصير الأمور.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
أمامنا قوله تعالى في بيان فضل طالوت المرشح للملك على غيره من بني إسرائيل {قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)}، وهذه الآية تشير إلى جملة من الخصال الرئيسية المطلوبة في قائد الأمة ورئيسها الأعلى، وأنه يتأهل لرياسة الدولة إلا من آتاه الله حظا وافرا من الخصائص والمواهب الروحية والجسمية، وكان له شفوف على الباقين، ومكانة مرموقة بين الناس أجمعين... ومن هذه الآية وما شابهها استنبط علماء الشريعة في (الأحكام السلطانية) التي تقابل في الفقه الإسلامي (القانون والنظام الدستوري الحديث) جملة من الشروط المعتبرة في الإمامة العظمى، فذكروا في طليعتها العلم المؤدي إلى الاجتهاد وحسن النظر في النوازل والأحكام، والرأي المفضي إلى حسن سياسة الرعية وتدبير مصالحها العامة، والشجاعة المؤدية إلى حماية البيضة وصد العدو، وسلامة الأعضاء والحواس من كل نقص يمنع من مباشرة المهام، التي هي في عهدة الإمام. كما تشير نفس الآية إلى أن الرياسة العليا للأمة والدولة لا يكفي للبت في أمرها مجرد الهوى الشخصي ومعسول الأماني، بل إن للحكمة الإلهية-التي كثيرا ما تبقى مطوية في عالم الغيب- دخلا كبيرا في الترشيح لها والإعانة عليها، وإن كره الكارهون، وهذا ما تومئ إليه الآية: {وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)}...
هم الذين طلبوا من نبيهم أن يبعث لهم ملكا. وكان يكفي إذن أن يختار نبيهم شخصا ويوليه الملك عليهم. لكن نبيهم أراد أن يغرس الاحترام منهم في المبعوث كملك لهم. لقد قال لهم: {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا}. والنبي القائل ذلك ينتمي إليهم، وهو منهم، وعندما طلبوا منه أن يبعث لهم ملكا كانوا يعلمون أنه مأمون على ذلك...
ويتجلى أدب النبوة في التلقي، فقال: {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا}. إنه يريد أن يطمئنهم على أن مسألة اختيار طالوت كملك ليست منه؛ لأنه بشر مثلهم، وهو يريد أن ينحي قضيته البشرية عن هذا الموضوع... فماذا كان ردهم؟ {قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال}. وهذه بداية التلكؤ واللجاجة ونقل الأمر إلى مسألة ليست من قضايا الدين...
إنهم يريدون الوجاهة والغنى. وكان يجب عليهم أن يأخذوا المسألة على أن الملك جاء لصالحهم، لأنهم هم الذين طلبوه ليقودهم في الحرب. إذن فأمر اختيار الملك كان لهم ولصالحهم، فلماذا يتصورون أن الاختيار كان ضدهم وليس لمصلحتهم؟
شيء آخر نفهمه من قولهم: {أنّى يكون له الملك علينا}، إن طالوت هذا لم يكن من الشخصيات المشار إليها؛ فمن العادة حين يحزُب الأمر في جماعة من الجماعات أن تفكر فيمن يقود، فعادة ما يكون هناك عدد من الشخصيات اللامعة التي يدور التفكير حولها، وتظن الجماعة أنه من الممكن أن يقع على واحد منهم الاختيار،وكان اختيار السماء لطالوت على عكس ما توقعت تلك الجماعة. لقد جاء طالوت من غمار القوم بدليل أنهم قالوا: {أنّى يكون له الملك} أي لم يؤت الملك من قبل...
وعندما نتأمل سياق الآيات فإننا نجد أن الله قال لهم في البداية: {بعث لكم} حتى لا يحرج أحدا منهم في أن طالوت أفضل منه، ولكن عندما حدث لجاج قال لهم: {إن الله اصطفاه عليكم} وهو بهذا القول يؤكد إنه لا يوجد فيكم من أهل البسطة والجسامة من يتمتع بصفة العلم. وكذلك لا يوجد من أهل العلم فيكم من يتمتع بالبسطة والجسامة {إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم}. وكان يجب أن يستقبلوا اصطفاء الله طالوت للملك بالقبول والرضى فما بالك وقد زاده بسطة في العلم والجسم؟...