غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ بَعَثَ لَكُمۡ طَالُوتَ مَلِكٗاۚ قَالُوٓاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ عَلَيۡنَا وَنَحۡنُ أَحَقُّ بِٱلۡمُلۡكِ مِنۡهُ وَلَمۡ يُؤۡتَ سَعَةٗ مِّنَ ٱلۡمَالِۚ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰهُ عَلَيۡكُمۡ وَزَادَهُۥ بَسۡطَةٗ فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ وَٱللَّهُ يُؤۡتِي مُلۡكَهُۥ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (247)

246

قوله سبحانه { وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً } طالوت اسم أعجميّ كجالوت وداود ، امتنع من الصرف للعلمية والعجمة المعتبرة . وقد يمكن تكلف اشتقاقه من الطول لما يجيء من وصفه بالبسطة في الجسم ، وقد يوافق العبراني العربي . و{ ملكاً } نصب على الحال ، أو التمييز ، أو مفعول ثانٍ على أن بعث بمعنى صير . وفي الآية تقرير لتوليهم وتأكيد لذلك ، فإن أولى ما تولوا هو إنكارهم أمر النبي المبعوث إليهم بالتماسهم وذلك أنهم { قالوا أنى يكون } كيف ومن أين يصح ويصلح { له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال } الواو الولى للحال ، والثانية للعطف . فانتظمت الجملتان في سلك الحالية . استبعدوا تملكه من وجهين : الأول : أن النبوة كانت في سبط لاوى بن يعقوب ومنه موسى وهارون ، والملك كان في سبط يهوذا ومنه داود وسليمان ، وأن طالوت ما كان من أحد هذين السبطين بل كان من ولد بنيامين . الثاني : أنه كان فقيراً ولابد للملك من مال يعتضد به . فعن وهب أنه كان دباغاً . وعن السدي أنه كان مكارياً . وقال الآخرون : كان سقاء فأزيلت شبهتهم بوجوه : الأول : { قال إنّ الله اصطفاه عليكم } اختاره دونكم واستخلصه من بينكم وأمره عليكم ، ولا اعتراض لأحد على حكم الله . وروي أن نبيهم دعا الله حين طلبوا منه ملكاً فأُتي بعصا يقاس بها من يملك عليهم فلم يساوها إلا طالوت . الثاني : { وزاده بسطة في العلم والجسم } طعنوا فيه بنقصان الجاه والمال فقابلهما الله تعالى بوصفين العلم والقدرة وأنهما أشد مناسبة لاستحقاق الملك من النسب والمال ، لأن العلم والقدرة من باب الكمالات الحقيقية دونهما وبالعلم والقدرة يتوسل إلى الجاه والمال ولا ينعكس ، والعلم والقدرة من الكمالات الحاصلة لحق الإنسان ، والمال والجاه أمران منفصلان عن ذات الإنسان وأنهما لا يمكن سلبهما عن ذات الإنسان بخلافهما . وإن العالم بأمر الحروب ذا القوة والبطش يكون الانتفاع به في مصالح البلاد والعباد أتم من النسيب الغني إذا لم يكن له علم يضبط المصالح وقدرة على دفع الأعداء . والظاهر أن المراد بالبسط في العلم هو حذقه فيما طلبوه لأجله من أمر الحرب ، ويجوز أن يكون عالماً في الديانات وبغيرها . وذلك أن الملك ينبغي أن يكون عالماً وإلا كان مزدري غير منتفع به ، وأن يكون جسيماً يملأ العين مهابة وحشمة . والبسطة السعة والامتداد وطول القامة . روي أنه كان يفوق الناس برأسه ومنكبيه . وقيل : المراد منه الجمال وكان أجمل بني إسرائيل . والأظهر أن يراد بها القوة لأنها المنتفع بها في دفع الأعداء لا الطول والجمال . الوجه الثالث : { والله يوتي ملكه من يشاء } فالملك له والعبيد له والمالك إذا تصرف في ملك نفسه فلا اعتراض لأحد عليه . الوجه الرابع : { والله واسع عليم } فإذا فوض الملك إليه فإن علم أن الملك لا يتمشى إلا بالمال فتح عليه باب الرزق ويوسع عليه .

/خ251