تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ بَعَثَ لَكُمۡ طَالُوتَ مَلِكٗاۚ قَالُوٓاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ عَلَيۡنَا وَنَحۡنُ أَحَقُّ بِٱلۡمُلۡكِ مِنۡهُ وَلَمۡ يُؤۡتَ سَعَةٗ مِّنَ ٱلۡمَالِۚ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰهُ عَلَيۡكُمۡ وَزَادَهُۥ بَسۡطَةٗ فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ وَٱللَّهُ يُؤۡتِي مُلۡكَهُۥ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (247)

ثم قال لهم نبيهم :

الآية 247 [ قوله تعالى ]{[3109]} : { وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا } قيل : سمى طالوتا لطوله وقولته .

وقوله : { قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال } يتوجه مثل هذا الكلام وجهين :

أحدهما : على الإنكار ، فلا يحتمل على الإنكار لأنه كفر .

والثاني : على الاسترشاد وطلب العلم لهم منه في ذلك عن جهة جعله له ملكا لما قد عرفوا : لا يستوجب الملك ، ولا يولي إلا أحد رجلين إما بالوراثة من الآباء أو بالسعة من المال ، لذلك قالوا : { ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال } لأنهم كانوا أبناء الملوك وأرباب الأموال .

ثم بين لهم عز جلا أن جهة الاختيار ليست إليهم وأن سبب الملك ليس ما ذكرناه{[3110]} دون غيره ، بل الله عز وجل يختار من يشاء لذلك بأسباب سوى ما ذكروا بفضل علم وبفضل قوة حين { قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء } قرر عندهم أن الملك يحتاج إلى فضل علم وفضل قوة . ثم يحتمل قوله : { بسطة في العلم } علم الحرب والقتال ، ويحتمل علم الأشياء الأخر على حفظ الرعية وغيره .

قال الشيخ ، رحمه الله ، في قوله : { أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه } ؛ فهو ، والله اعلم ، لأي معنى جعل له الملك علينا ؟ أو كيف يكون له الملك علينا ، ونحن بظاهر الأسباب التي تحقق الملك أملك ، فنكون بها أحق بالملك منه ؟ فبين أن المعنى الذي له صار أحق بالملك منهم{[3111]} في ذلك الأمر ، والله أعلم .

والحرف [ { أنى } ]{[3112]} وإن كان بما يتعارف في الإنكار ، فليس هو كذلك ، في الحقيقة ؛ إذ قد أخبرهم من هو نبي عندهم ، ومن تقرر عنده{[3113]} نبوة أحد لا يحتمل تكذيبه إياه في هذا ، والله أعلم ، ويحتمل كون أهل النفاق فيهم ، فيكون منهم الإنكار أيضا كما كان أمثال ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤيد سؤالهم الآية حتى قال : { إن الآية ملكه } [ البقرة : 248 ] كذا ، والله تعالى أعلم ، ويؤيد ذلك كثرة مخالفتهم إياه لما امتحنوا بالنهر ، والله الموفق .

وفي هذا ونحو ذلك دلالة جواز الآيات لغير{[3114]} الرسل إذا كان فيها تصديق الرسل ، فيكون في التحقيق كآيات لهم ظهرت على ألسن غيرهم أو أيديهم ومن أراد ادعاء الرسالة لنفسه ، فيعجز عن ذلك ، بل لا يكرم الله بها من يعلم أنه يدعو إلى تصديق الكذب ومضاهاة الرسل . وبهذا إيجاب لمن يعارض بمن يتعلم القرآن ، ثم يأتي موضوعا لا يعرف ، فيحتج به في نبوته{[3115]} ، مع ما في ذلك أوجه تمنع الاحتجاج به : من ذلك ما فيه من الأخبار ومن الأسئلة والأنباء عن أمور لا توجد هنالك ، والله أعلم ، وبما لا يعلم أوله أنه من تعلم تقدم منه إلى من هو حجة أو عن وحي إليه ، إذ لم يكن امتحن من قبل ، والحجة ما يخرج من المعتاد وحمل الطبيعة يكرم بها وقت الدعوة بلا سبب سبق منه في مثله ولا عناية ، ولا قوة إلا بالله .

وبعد فإنه قد ظهر في جميع [ من ]{[3116]} لسانه ذلك اللسان ممن لا يطاق الدفع{[3117]} لمثله ، والإنكار{[3118]} ، وانتشر أمر الآتي به ، فيظهر بذلك كذبه ، ويفتضح عند الدعوى قبل المحنة والتأمل في ما جاء به [ إلا أن يأتي به ]{[3119]} من ليس ذلك لسانه ولا معنى للاحتجاج به في أمثالهم ، والله الموفق .

وقوله : { والله واسع عليم } ؛ { واسع } أي غنى يغني من يشاء ، ويعطيه { عليم } بمن يصلح للملك .


[3109]:من ط ع.
[3110]:في ط ع وم: ذكر.
[3111]:من ط ع، في الأصل وم: منه.
[3112]:من ط ع.
[3113]:في النسخ الثلاث: عند.
[3114]:في ط ع: بغير.
[3115]:في ط ع: ثبوته.
[3116]:من ط ع وم، ساقطة من الأصل.
[3117]:من ط ع وم، في الأصل: الرفع.
[3118]:في النسخ الثلاث: ولا إنكار.
[3119]:من ط ع وم، ساقطة من الأصل.