{ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } فإذا كانت هذه حالكم مع أندادكم عند الشدائد ، تنسونهم ، لعلمكم أنهم لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا ، ولا موتا ، ولا حياة ، ولا نشورا .
وتخلصون لله الدعاء ، لعلمكم أنه هو النافع الضار ، المجيب لدعوة المضطر ، فما بالكم في الرخاء تشركون به ، وتجعلون له شركاء ؟ . هل دلكم على ذلك ، عقل أو نقل ، أم عندكم من سلطان بهذا ؟ بل{[288]} تفترون على الله الكذب ؟
ثم أكد - سبحانه - أنهم عند الشدائد والكروب لا يلجأون إلا إلى الله فقال - تعالى - : { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } .
بل للإضراب الانتقالى عن تفكيرهم وأوهامهم ، أى : بل تخصونه وحده بالدعاء دون الآلهة ، فيكشف ما تلتمسون كشفه إن شاء ذلك ، لأنه هو القادر على كل شىء { وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } أى : تغيب عن ذاكرتكم عند الشدائد والأهوال تلك الأصنام الزائفة والمعبودات الباطلة .
وقدم - سبحانه - المفعول على الفعل فى قوله : { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ } لإفادة الاختصاص ، أى : لا تدعون إلا إياه ، وذلك يدل على أن المشركين مهما بلغ ضلالهم فإنهم عند الشدائد يتجهون بتفكيرهم إلى القوة الخفية الخالقة لهذا الكون .
وفى قوله { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ } استعارة حيث شبه حال إزالة الشر بحال كشف غطاء غامر مؤلم بجامع إزالة الضر فى كل وإحلال السلامة محله .
والمقصود فيكشف الضر الذى تدعونه أن يكشفه : فالكلام على تقدير حذف مضاف .
وجواب الشرط لقوله : { إِنْ شَآءَ } محذوف لفهم المعنى ودلالة ما قبله عليه ، أى إن شاء أن يكشف الضر كشفه ، لأنه - سبحانه - لا يسأل عما يفعل .
القول في تأويل قوله تعالى : { بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } . .
يقول تعالى ذكره مكذّبا لهؤلاء العادلين به الأوثان : ما أنتم أيها المشركون بالله الاَلهة والأنداد إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة بمستجيرين بشيء غير الله في حال شدّة الهول النازل بكم من آلهة ووثن وصنم ، بل تدعون هناك ربكم الذي خلقكم وبه تستغيثون وإليه تفزعون دون كل شيء غيره . فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ يقول : فيفرّج عنكم عند استغاثتكم به وتضرّعكم إليه عظيم البلاء النازل بكم إن شاء أن يفرّج ذلك عنكم ، لأنه القادر على كلّ شيء ومالك كلّ شيء دون ما تدعونه إلها من الأوثان والأصنام . وتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ يقول : وتنسون حين يأتيكم عذاب الله أو تأتيكم الساعة بأهوالها ما تشركونه مع الله في عبادتكم إياه ، فتجعلونه له ندّا من وثَن وَصَنم ، وغير ذلك مما تعبدونه من دونه وتدعونه إلها .
وقوله تعالى : { بل إياه تدعون } الآية ، المعنى بل لا ملجأ لكم إلا لله ، وأصنامكم مطرحة منسية ، و { ما } بمعنى الذي تدعون إليه من أجله ، ويصح أن تكون { ما } ظرفية ، ويصح أن تكون مصدرية على حذف في الكلام ، قال الزجّاج هو مثل :{ وأسأل القرية }{[4914]} ، والضمير في { إليه } يحتمل أن يعود إلى الله تعالى بتقدير : فيكشف ما تدعون فيه إلى الله تعالى{[4915]} ، ويحتمل أن يعود [ ما ] بتقدير : فيكشف ما تدعون إليه ، و { إن شاء } استثناء لأن المحنة إذا أظلت عليهم فدعوا إليه في كشفها وصرفها فهو لا إله إلا هو كاشف إن شاء ، ومصيب إن شاء لا يجب عليه شيء ، وتقدم معنى { تنسون } ، و { إياه } اسم مضمر أُجري مجرى المظهرات في أنه يضاف أبداً ، وقيل هو مبهم وليس بالقوي لأن الأسماء المبهمة مضمنة الإشارة إلى حاضر نحو : ذاك وتلك وهؤلاء ، و «إيا » ليس فيه معنى الإشارة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.