الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{بَلۡ إِيَّاهُ تَدۡعُونَ فَيَكۡشِفُ مَا تَدۡعُونَ إِلَيۡهِ إِن شَآءَ وَتَنسَوۡنَ مَا تُشۡرِكُونَ} (41)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم رجع إلى نفسه، فقال: {بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون}، يعني: وتتركون {ما تشركون} بالله من الآلهة، فلا تدعونهم أن يكشفوا عنكم ولكنكم تدعون الله.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مكذّبا لهؤلاء العادلين به الأوثان: ما أنتم أيها المشركون بالله الآلهة والأنداد إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة بمستجيرين بشيء غير الله في حال شدّة الهول النازل بكم من آلهة ووثن وصنم، بل تدعون هناك ربكم الذي خلقكم وبه تستغيثون وإليه تفزعون دون كل شيء غيره. "فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ": فيفرّج عنكم عند استغاثتكم به وتضرّعكم إليه عظيم البلاء النازل بكم إن شاء أن يفرّج ذلك عنكم، لأنه القادر على كلّ شيء ومالك كلّ شيء دون ما تدعونه إلها من الأوثان والأصنام.

"وتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ": وتنسون حين يأتيكم عذاب الله أو تأتيكم الساعة بأهوالها ما تشركونه مع الله في عبادتكم إياه، فتجعلونه له ندّا من وثَن وَصَنم، وغير ذلك مما تعبدونه من دونه وتدعونه إلها.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وقوله "بل إياه تدعون "معنى (بل) استدراك وإيجاب بعد نفي تقول ما جاءني زيد بل عمرو. وأعلمهم الله تعالى أنهم لا يدعون في حال الشدائد إلا إياه، لأنه إذا لحقهم الشدائد والأهوال في البحار والبراري القفار، التجأوا فيه إليه وتضرعوا لديه، كما قال "وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين" وفي ذلك أعظم الحجج عليهم، لأنهم عبدوا الأصنام. وقوله "فيكشف ما تدعون إليه إن شاء" معناه يكشف الضر الذي من أجله دعوتم، وهو مجاز كقوله "واسأل القرية" ومعناه واسأل أهل القرية. وقوله "وتنسون ما تشركون" معنى تنسون يحتمل أمرين: أحدهما -أن يكون بمعنى ما تشركون بالله. الثاني- أنكم في ترككم دعاءهم بمنزلة من نسيهم، وهذا الذي أحتج الله به على الكفار دلالة على صحة الاحتجاج في الدين على كل من خالف الحق، لأنه لوكان الاحتجاج لا يجوز ولا يفضي إلى الحق لما احتج به على عباده في كتابه. وإنما قال: "إن شاء" لأنه ليس كلما يدعون لكشفه يكشفه عنهم بل يكشف ما شاء من ذلك مما تقتضيه المصلحة وصواب التدبير، وتوجبه الحكمة. والاستثناء راجع إلى العذاب دون الساعة، لأنها لا تكشف ولا محيص عنها.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

و {إن شاء} استثناء لأن المحنة إذا أظلت عليهم فدعوا إليه في كشفها وصرفها فهو لا إله إلا هو كاشف إن شاء، ومصيب إن شاء، لا يجب عليه شيء.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

وظاهر قوله: {وتنسون ما تشركون} النسيان حقيقة والذهول والغفلة عن الأصنام لأن الشخص إذا دهمه ما لا طاقة له بدفعه تجرد خاطره من كل شيء إلا من الله الكاشف لذاك الداهم، فيكاد يصير كالملجأ إلى التعلق بالله والذهول عن من سواه فلا يذكر غير الله القادر على كشف ما دهم.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

أي لا تدعون في تلك الحالة غيره لا وحده ولا معه، بل تخصونه وحده بالدعاء، فيكشف أي يزيل ما تدعونه إلى كشفه إن شاء، لأنه هو القادر عليه دون جميع العباد، وتنسون ما تشركون به الآن من الشفعاء والأنداد، لأن الفزع إليه سبحانه عند شدة الضيق واليأس من الأسباب مركوز في فطرة البشر، تنبعث إليه بذاتها كما تنبعث إلى طلب الغذاء عند الجوع مثلا، فلا يذهب به ما يتلقى بالتعليم الباطل من مسائل الدين غالبا، إلا من تم فساد فطرته، وانتهت سفالة طينته، حتى كان كالأعجم، لا يفهم ولا يفهم، وإنما مثل تعاليم الشرك مع هذه الغريزة الفطرية كمثل ما كان عند المشركين من أحكام الطعام الباطلة مع غريزة التغذي، فإنهم كانوا يحرمون بعض الطيبات كالبحائر والسوائب ويبيحون بعض الخبائث كالميتة والدم المسفوح، فيجنون على غريزة التغذي بأكل هذا والحرمان من ذاك، ثم يأكلون كل شيء عند الاضطرار، كذلك يجنون على غريزة التوجه إلى خالقهم وخالق العالم كله بما يتخذون من الأنداد والأولياء والشفعاء، الذين يتوجهون إليهم كما يتوجهون إلى الله ويحبونهم كحب الله، ذلك الحب الذي منشؤه التقديس واعتقاد القدرة على النفع ودفع الضر من غير طريق الأسباب. فإنهم عند الشدة ينسونها ويدعون الله وحده.

ولهذا الاعتقاد وما يستلزمه من الحب والتعظيم ثلاث درجات: أسفلها وأعرقها في الجهل أن يعتقد في شيء من المخلوقات أنه هو الإله الذي ينفع ويضر بذاته فيتوجه إليه ويدعوه ويتضرع إليه حتى عند اشتداد البأس باكيا متضرعا، لأن غريزة الإيمان بالسلطة الغيبية حصرت عنده في هذا المخلوق أو هذه المخلوقات كما تلقى عن قومه وهو لا يفكر في كون ذلك معقولا أو غير معقول، ويلي هذه الدرجة أن يعتقد أن الإله نفسه قد حل في بعض المخلوقات واتحد بها كما تحل الروح في البدن وتدبره فيكونان بذلك شيئا واحدا، والفصل بين هذه الدرجة وما قبلها هو أن هذه مفرغة في قالب من النظريات الفلسفية، مزينة بحلي وحلل من التخيلات الشعرية، وتلك ساذجة غفل من الفلسفة الجدلية، عطل من المزينات الخيالية، ويشتركان في أن منتحليهما يعبدون ذلك المخلوق المدرك بالحواس، ويدعونه تضرعا وخفية حتى عند اشتداد الكرب والبأس.

ووراءهما الدرجة الثالثة التي هي أرقى درجات الشرك إذ هي أرقها وأضعفها، وهي أن يعتقد أن الله تعالى هو الخالق لكل شيء القادر على كل شيء، المتصرف في كل شيء، ولا يستطيع أحد من دونه شيئا، ولكن له وسطاء بينه وبين عباده، يقربونهم إليه زلفى ويشفعون لهم عنده، فهو لأجلهم يعطي ويمنع، ويضر وينفع، ويغفر ويرحم ويوجد ويعدم. وهذه هي الدرجة التي ارتقت إليها وثنية مشركي قريش، فقد حكى الله تعالى عنهم في كتابه أنهم يقرون بأنه هو الخالق لكل شيء، الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه، وأنهم يقولون فيما اتخذوه من دونه من الأولياء {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر:3] {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس:18] فلما كانوا يعتقدون أن لهم تأثيرا ووساطة في أفعال الله تعالى- كدفع الضر وجلب النفع- يدعونهم ويعظمونهم لأجلها، كان دعاؤهم وتعظيمهم إياهم عبادة، إذ لا معنى للعبادة إلا هذا. ولما كانوا عندهم غير مستقلين بذلك من دون الله، وكان الله تعالى- بزعمهم- غير فاعل ذلك بمحض إرادته الأزلية من دون شفاعتهم ووساطتهم سموا شركاء لله.

وأما التوحيد الخالص فهو الإيمان الجازم بأن الله يفعل ما يشاء ويختار بمحض إرادته الأزلية المنزهة عن تأثير الحوادث فيها، وأن جميع الخلق مسخرون بإرادته وتدبيره، خاضعون لسننه وتقديره، لا يملك أحد منهم لنفسه ولا لغيره شيئا، إلا في دائرة الأسباب التي جعلها بينهم شرعا، وأن الواسطة بين الله تعالى وعباده محصورة في تبليغ رسالته إليهم، دون تصرفه فيهم، وأن شفاعة الآخرة لله وحده، يأذن لمن شاء إذا شاء بما شاء من الدعاء لمن يشاء ممن ارتضى. ومن دلائل ذلك قوله تعالى لخاتم رسله {ليس لك من الأمر شيء} [آل عمران: 128] {قل إن الأمر كله لله} [آل عمران: 154] {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله} [الأعراف: 188] {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} [القصص: 56] {قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا} [الجن: 31] {قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته} [الجن: 22، 23].. {قل لله الشفاعة جميعا} [الزمر: 44] {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} [البقرة: 255] {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشية مشفقون} [الأنبياء: 28] الخ.

ولما كانت تلك الوساطة الشركية وهمية لا أثر لها في الوجود وإنما هي تقاليد موروثة كان أولئك الأذكياء جديرين بأن ينسوها إذا جد الجد وعظم الخطب، كالحالتين اللتين ذكرهما الله تعالى في هذه الآية أو ما دونهما كالحالة التي بينها الله تعالى في قوله: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} [العنكبوت: 65]، وقوله: {وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور} [لقمان: 31] ومثلها في سورة يونس. وقال تعالى في سورة الإسراء: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه، فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا} [الإسراء: 67] فسروا الضلال هنا بالنسيان فهو بمعنى الآية التي نفسرها. وأما ضلال آلهتهم عنهم في الآخرة، فقد ذكر في آيات كثيرة في سور متفرقة، ويراد ببعضها غيبتها عنهم بعدم وجودها معهم هنالك وحرمانهم مما كانوا يرجون من شفاعتها، لا غيبتها عن قلوبهم وخواطرهم كما هو المراد هنا.

وروي عن بعض المفسرين أن المراد بنسيانهم إياهم جعلها بمنزلة المنسي بعدم دعائها فقد ذكر الرازي في النسيان قولين قال الأول: قال ابن عباس: المراد تتركون الأصناف ولا تدعونهم لعلمكم أنها لا تضر ولا تنفع، الثاني: قال الزجاج أن يكون المعنى أنكم في ترككم دعاءهم بمنزلة من قد نسيهم، وهذا قول الحسن لأنه قال: يعرضون عنه إعراض الناسي. اه أقول: لم ينقل ابن جرير ولا ابن كثير في تفاسيرهما ولا السيوطي في الدر المنثور شيئا في الآية عن ابن عباس ولا الحسن ولا غيرهما من مفسري الصحابة والتابعين.

وقد استشكل المفسرون ما دلت عليه الآية من جواز كشف عذاب الاستئصال وعذاب الساعة من المشركين بدعائهم لمخالفته لما عرف من سائر النصوص مع قوله تعالى: {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} [الرعد: 14] وأجيب بأن ما مضت به سنته تعالى في الأمم وما دلت عليه النصوص إنما دل على عدم وقوع هذا الكشف لا على عدم جوازه، وقد علق كشف ذلك هنا بمشيئته تعالى، فهو يقول أنه يكشف ذلك إن شاء، لأن مشيئته نافذة حتى في كشف عذاب الاستئصال وأهوال الساعة، وهما النوعان اللذان لا تتعلق قدر المخلوقين الموهوبة لهم من الله تعالى بشيء من أمرهما، لأنهما فوق الأسباب التي سخرها الله تعالى لخلقه. ولكنه تعالى لا يشاء ذلك لأنه ينافي حكمته وتقدير الذي جرت به سننه في الأمم. ويمكن أن يجاب أيضا بأن المراد بإتيان عذاب الله ظهور إماراته ومقدماته وبالساعة القيامة الصغرى أي الموت بظهور علاماته، ونزول سكراته، والإيمان يقبل قبل وصول عذاب الاستئصال إلى مستحقيه بالفعل وقبل بلوغ الروح الحلقوم من المحتضر؛ وقيل إن بعض كروب الساعة تكشف حتى عن الكفار ككرب طول الوقوف بالشفاعة العظمى، ولكن هذا لا يصلح جوابا لأنه لا يكون بدعائهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

بل تدعونه وحده؛ وتنسون شرككم كله!.. إن الهول يعري فطرتكم -حينئذ- فتتجه بطلب النجاة إلى الله وحده. وتنسى أنها أشركت به أحدا. بل تنسى هذا الشرك ذاته.. إن معرفتها بربها هي الحقيقة المستقرة فيها؛ فأما هذا الشرك فهو قشرة سطحية طارئة عليها، بفعل عوامل أخرى. قشرة سطحية في الركام الذي ران عليها. فإذا هزها الهول تساقط هذا الركام، وتطايرت هذه القشرة، وتكشفت الحقيقة الأصيلة، وتحركت الفطرة حركتها الفطرية نحو بارئها، ترجوه أن يكشف عنها الهول الذي لا يد لها به، ولا حيلة لها فيه.. نحن نشك شكا عميقا -كما قلنا من قبل- في أن أولئك الذين يمارسون الإلحاد في صورته هذه صادقون فيما يزعمون أنهم يعتقدونه. نحن نشك في أن هناك خلقا أنشأته يد الله، ثم يبلغ به الأمر حقيقة أن ينطمس فيه تماما طابع اليد التي أنشأته؛ وفي صميم كينونته هذا الطابع، مختلطا بتكوينه متمثلا في كل خلية وفي كل ذرة!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وقوله: {فيكشف} عطف على {تدعون}، وهذا إطماع في رحمة الله لعلّهم يتذكّرون. ولأجل التعجيل به قدّم {وتنسوْن ما تشركون} وكان حقّه التأخير. فهو شبيه بتعجيل المسرّة. ومفعول: {تدعون} محذوف وهو ضمير اسم الجلالة، أي ما تدعونه. والضمير المجرور بِ (إلى) عائد على {ما} من قوله {ما تدعون} أي يكشف الذي تدعونه إلى كشفه. وإنّما قيّد كشف الضرّ عنهم بالمشيئة لأنَّه إطماع لا وعد. وعديّ فعل {تدعون} بحرف (إلى) لأنّ أصل الدعاء نداء فكأنّ المدعو مطلوب بالحضور إلى مكان اليأس.

... وقوله: {وتنسون ما تُشركون} يجوز أن يكون النسيان على حقيقته، أي تذهلون عن الأصنام لِمَا ترون من هول العذاب وما يقع في نفوسهم من أنّه مرسل عليهم من الله فتنشغل أذهانهم بالذي أرسل العذاب وينسون الأصنام التي اعتادوا أن يستشفعوا بها.

ويجوز أن يكون مجازاً في الترك والإعراض، أي وتعرضون عن الأصنام، إذ لعلَّهم يلهمون أن يستدلّون في تلك الساعة على أنّ غير الله لا يكشف عنهم من ذلك العذاب شيئاً، وإطلاق النسيان على الترك شائع في كلام العرب، كما في قوله تعالى: {فاليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا} [الجاثية: 34]، أي نهملكم كما أنكرتم لقاء الله هذا اليوم. ومن قبيله قوله تعالى: {الذين هم عن صلاتهم ساهون} [الماعون: 5].

وفي قوله: {فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} دليل على أنّ الله تعالى قد يجيب دعوة الكافر في الدنيا تبعاً لإجراء نعم الله على الكفّار..

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وظاهر أن كشف الشدة إنما يكون في شدائد الدنيا، وهي التي تتعلق بها المشيئة إن شاء أنزلها وأبقاها لحكمة وإن شاء أزالها وأنظرهم كما كان يفعل مع قريش أما ما يجيء بعد الساعة من حساب وعقاب المشركين فان الله لا يكشفه عن المشركين، إذ يقول سبحانه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء...48) (النساء) فلا يمكن بمقتضى وعيده سبحانه أن يكون عقوبة الشرك يوم القيامة موضع كشف أو إزالة. وقوله تعالى: (فيكشف ما تدعون إليه إن شاء) الكلام متعلق فيه بالمشيئة وأريد به السبب ذلك السياق يستفاد منه أن الكشف عن الدعاء والحقيقة أن الكشف عن الضر الذي سبب الدعاء والله سبحانه وتعالى كاشفه ومزيل ضرهم.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

إنّ الاستدلال المطروح في هاتين الآيتين هو الاستدلال على التوحيد الفطري الذي يمكن الاستفادة منه في مبحثين:

الأوّل: في إِثبات وجود الله، والثّاني: في إِثبات وحدانيته، لذلك استشهدت الرّوايات الإِسلامية والعلماء المسلمون بهاتين الآيتين للرد على منكري وجود الله، وكذلك للردّ على المشركين. الحالة النفسية التي تصوّرها هذه الآية لا تنحصر في المشركين، بل في كل إِنسان حين يتعرّض إِلى الشدة وحوادث الخطر وقد لا يلجأ الإِنسان في الحوادث الصغيرة والمألوفة إِلى الله، إِلاّ أنّه في الحوادث الرهيبة والمخيفة ينسى كل شيء وإن ظل في أعماقه يحس بأمل في النجاة ينبع من الإِيمان بوجود قوة غامضة خفية، وهذا هو التوجه إِلى الله وحقيقة التوحيد. حتى المشركون وعبدة الأصنام لا يخطر لهم التوسل بأصنامهم، بل ينسونها في مثل هذه الظروف تماماً، فتقول الآية: (بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إِليه إِن شاء وتنسون ما تشركون).