معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَلَّوِ ٱسۡتَقَٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسۡقَيۡنَٰهُم مَّآءً غَدَقٗا} (16)

ثم رجع إلى الكفار مكة فقال :{ وألو استقاموا على الطريقة } اختلفوا في تأويلها ، فقال قوم : لو استقاموا على طريقة الحق والإيمان والهدى فكانوا مؤمنين مطيعين ، { لأسقيناهم ماءً غدقاً } كثيراً ، قال مقاتل : وذلك بعدما رفع عنهم المطر سبع سنين . وقالوا معناه لو آمنوا لوسعنا عليهم في الدنيا وأعطيناهم مالاً كثيراً وعيشاً رغداً ، وضرب الماء الغدق مثلاً ، لأن الخير والرزق كله في المطر ، كما قال : { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم }الآية ( المائدة- 66 ) . وقال : { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء } الآية ( الأعراف-96 ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَلَّوِ ٱسۡتَقَٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسۡقَيۡنَٰهُم مَّآءً غَدَقٗا} (16)

فإنهم { لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ } المثلى { لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا } أي : هنيئا مريئا ، ولم يمنعهم ذلك إلا ظلمهم وعدوانهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَلَّوِ ٱسۡتَقَٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسۡقَيۡنَٰهُم مَّآءً غَدَقٗا} (16)

ثم بين - سبحانه - سنة من سننه التى لا تتخلف ، وهى أن الاستقامة على طريقة توصل إلى السعادة ، وأن الإِعراض عن طاعته - تعالى - يؤدى إلى الشقاء ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعلن للناس حقائق دعوته ، وخصائص رسالته ، وإقراره أمامهم بأنه لا يملك لهم ضرا ولا نفعا ، وأن علم الغيب مرده إلى الله - تعالى - وحده ، فقال - سبحانه - :

{ وَأَلَّوِ استقاموا عَلَى . . . } .

قوله سبحانه : { وَأَلَّوِ استقاموا عَلَى الطريقة لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً . . } معطوف على قوله - تعالى - : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع نَفَرٌ مِّنَ الجن . . } فهو من جملة الموحى به ، وهو من كلام الله - تعالى - لبيان سنة من سننه فى خلقه ، واسم " أن " المخففة ضمير الشأن الخبر قوله ، { وَأَلَّوِ استقاموا . . } والضمير يعود على القاسطين سواء أكانوا من الإِنس أم من الجن .

والماء الغدق : هو الماء الكثير ، يقال : غَدِقَتْ فلان غَدَقاً - كفرح - إذا كثر دمعها فهى غدقة ، ومنه الغيداق للماء الواسع الكثير ، والمراد : لأعطيناهم نعما كثيرة .

أى : ولو أن هؤلاء العادلين عن طريق الحق إلى طريق الباطل استقاموا على الطريقة المثلى ، التى هى طريق الإِسلام ، والتزموا بما جاءهم به النبى صلى الله عليه وسلم من عند ربه . .

لو أنهم فعلوا ذلك ، لفتحنا عليهم أبواب الرزق ، ولأعطيناهم من بركاتنا وخيراتنا الكثير . . وخص الماء الغدق بالذكر ، لأنه أصل المعاش والسعة .

ومن الآيات التى وردت فى هذا المعنى قوله - تعالى - : { وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } وقوله - سبحانه - { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض . . . } وقوله - تعالى - { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } ثم بين - سبحانه - الحكمة فى هذا العطاء لعباده فقال : { لِّنَفْتِنَهُمْ } وأصل الفتن الامتحان والاختبار . تقول : فتنت الذهب بالنار ، أى : اختبرته لتعرف مقدار جودته .

والمعنى : نعطيهم ما نعطيهم من خيراتنا ، لنختبرهم ونمتحنهم ، ليظهر للخلائق موقفهم من هذه النعم ، أيشكروننا عليها فنزيدهم منها ، أم يجحدون ويبطرون فنمحقها من بين أيديهم . . ؟

والجملة الكريمة معترضة بين ما قبلها ، وبين قوله - تعالى - بعد ذلك : { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } .

وقوله : { يَسْلُكْهُ } من السلك بمعنى إدخال الشئ فى الشئ ومنه قوله - تعالى - : { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ المجرمين } والصَّعَد : الشاق . يقال : فلان فى صَعَد من أمره ، أى : فى مشقة وتعب ، وهو مصدر صَعِد - كفرح - صعداً وصعودا .

أى : ومن يعرض عن طاعة ربه ومراقبته وخشيته . . يدخله - سبحانه - فى عذاب شاق أليم ، لا مفر منه ، ولا مهرب له عنه .

ومن الحقائق والحكم التى نأخذها من هاتين الآيتين ، أن الاستقامة على أمر الله ، تؤدى إلى السعادة التى ليس بعده سعادة ، وأن رخاء العيش وشظافته هما لون من ألوان الابتلاء والاختبار ، كما قال - تعالى - : { وَنَبْلُوكُم بالشر والخير } وأن الإِعراض عن ذكر الله . . عاقبته الخسران المبين ، والعذاب الأليم .

قال القرطبى ما ملخصه : قوله : { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أى لنختبرهم كيف شكرهم فيه على تلك النعم .

وقال عمر بن الخطاب فى هذه الآية : أنيما كان الماء كان المال ، وأينما كان المال كانت الفتنة فمعنى { لأَسْقَيْنَاهُم } لوسعنا عليهم فى الدنيا ، وضرب الماء الغدق الكثير لذلك مثلا ، لأن الخير والرزق كله ، بالمطر يكون ، فأقيم مقامه .

وفى صحيح مسلم ، عن أبى سعيد الخدرى ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أخوف ما أخاف عليكم ، ما يخرج لكم من زهرة الدنيا ، قالوا : وما زهرة الدنيا ؟ قال : بركات الأرض . . " .

وقال صلى الله عليه وسلم : " والله ما الفقر أخشى عليكم ، وإنما أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم ، فتنافسوها ، كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَلَّوِ ٱسۡتَقَٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسۡقَيۡنَٰهُم مَّآءً غَدَقٗا} (16)

وقوله : { وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين :

أحدهما : وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها ، { لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا } أي : كثيرًا . والمراد بذلك سَعَة الرزق . كقوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } [ المائدة : 66 ] وكقوله : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ } [ الأعراف : 96 ] وعلى هذا يكون معنى قوله : { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ }

أي : لنختبرهم ، كما قال مالك ، عن زيد بن أسلم : { لِنَفْتِنَهُمْ } لنبتليهم ، من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية ؟ .

ذكر من قال بهذا القول : قال العوفي ، عن ابن عباس : { وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ } يعني بالاستقامة : الطاعة . وقال مجاهد : { وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ } قال : الإسلام . وكذا قال سعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، والسدي ، ومحمد بن كعب القرظي .

وقال قتادة : { وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ } يقول : لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا .

وقال مجاهد : { وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ } أي : طريقة الحق . وكذا قال الضحاك ، واستشهد على ذلك بالآيتين اللتين ذكرناهما ، وكل هؤلاء أو أكثرهم قالوا في قوله : { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي لنبتليهم به .

وقال مقاتل : فنزلت في كفار قريش حين مُنعوا المطر سبع سنين .

والقول الثاني : { وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ } الضلالة { لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا } أي : لأوسعنا عليهم الرزق استدراجا ، كما قال : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } [ الأنعام : 44 ] وكقوله : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ } [ المؤمنون : 55 ، 56 ] وهذا قول أبي مِجلز لاحق بن حُمَيد ؛ فإنه في قوله : { وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ } أي : طريقة الضلالة . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وحكاه البغوي عن الربيع بن أنس ، وزيد بن أسلم ، والكلبي ، وابن كيسان . وله اتجاه ، وتيأيد بقوله : { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ }

وقوله : { وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا } أي : عذابا شاقا شديدًا موجعًا مؤلما .

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، وابن زيد : { عَذَابًا صَعَدًا } أي : مشقة لا راحة معها .

وعن ابن عباس : جبل في جهنم . وعن سعيد بن جبير : بئر فيها .