فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَلَّوِ ٱسۡتَقَٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسۡقَيۡنَٰهُم مَّآءً غَدَقٗا} (16)

{ وأن لو استقاموا على الطريقة } قرأ الجمهور بكسر الواو من " لو " لالتقاء الساكنين وقرئ بضمها تشبيها بواو الضمير ، وهذا ليس من قول الجن بل هو معطوف على أنه استمع نفر من الجن ، والمعنى وأوحي إلى أن الشأن لو استقام الجن والإنس ، أو كلاهما على الطريقة وهي طريقة الإسلام .

وقد قدمنا أن القراء اتفقوا على فتح " أن " ههنا . قال ابن الأنباري والفتح ههنا على إضمار يمين تأويلها ، والله أن لو استقاموا على الطريقة كما يقال في الكلام : ولله لو قمت قمت ، قال أو على ( أوحي إليّ أنه استمع ) ( وأن لو استقاموا } أو على ( آمنا به ) أي آمنا به وبأن لو استقاموا ، وعلى هذا يكون جميع ما تقدم معترضا بين المعطوف والمعطوف عليه ، قال ابن عباس : لو أقاموا على ما أمروا به .

{ لأسقيناهم ماء غدقا } وليس المراد خصوص السقيا بل المراد لوسعنا عليهم في الدنيا وبسطنا لهم في الرزق ، وقال ابن عباس : معينا ، وقال مقاتل : ماء كثيرا من السماء ، وذلك بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين ، وقال ابن قتيبة : المعنى لو آمنوا جميعا لوسعنا عليهم في الدنيا ، وضرب الماء الغدق مثلا لأن الخير والرزق كله بالمطر ، وهذا كقوله :

{ ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا } الآية وقوله { ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب } وقوله { استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين } الآية .

وقيل المعنى وأن استقام أبوهم على عبادته وسجد لآدم ولم يكفر . وتبعه ولده على الإسلام لأنعمنا عليهم ، واختار هذا الزجاج ، والماء الغدق هو الكثير في لغة العرب ، قرأ العامة غدقا بفتحتين وقرئ بفتح الغين وكسر الدال ، وهما لغتان في الماء الغزير ، ومنه الغيداق للماء الكثير وللرجل الكثير العدو ، والكثير النطق ويقال غدقت عينه تغدق أي هطل دمعها ، وفي المصباح غدقت العين غدقا من باب تعب كثر ماؤها فهي غدقة وأغدقت إغداقا كذلك .