فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَلَّوِ ٱسۡتَقَٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسۡقَيۡنَٰهُم مَّآءً غَدَقٗا} (16)

{ وَأَلَّوِ استقاموا عَلَى الطريقة } هذا ليس من قول الجنّ بل هو معطوف على { أَنَّهُ استمع نَفَرٌ مّنَ الجن } [ الجن : 1 ] والمعنى : وأوحي إليّ أن الشأن لو استقام الجنّ أو الإنس ، أو كلاهما على الطريقة ، وهي طريقة الإسلام ، وقد قدّمنا أن القراء اتفقوا على فتح أن هاهنا . قال ابن الأنباري : والفتح هنا على إضمار يمين تأويلها والله أن لو استقاموا على الطريقة كما فعل ، يقال في الكلام : والله لو قمت لقمت ، كما في قول الشاعر :

أما والله أن لو كنت حرّا *** ولا بالحرّ أنت ولا العتيق

قال : أو على { أوحي إليّ أنه استمع } ، { وأن لو استقاموا } ، أو على { آمنا به } أي آمنا به ، وبأن لو استقاموا . قرأ الجمهور بكسر الواو من ( لو ) لالتقاء الساكنين . وقرأ ابن وثاب والأعمش بضمها { لأسقيناهم مَّاء غَدَقاً } أي كثيراً واسعاً . قال مقاتل : ماء كثيراً من السماء ، وذلك بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين . وقال ابن قتيبة : المعنى لو آمنوا جميعاً لوسعنا عليهم في الدنيا ، وضرب الماء الغدق مثلاً لأن الخير كله والرزق بالمطر ، وهذا كقوله : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكتاب ءامَنُواْ واتقوا } [ المائدة : 65 ] الآية ، وقوله : { وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } [ الطلاق : 2 . 3 ] وقوله : { فقلت استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بأموال وَبَنِينَ } [ نوح : 12 . 11 . 10 ] الآية . وقيل : المعنى : وأن لو استقام أبوهم على عبادته ، وسجد لآدم ولم يكفر ، وتبعه ولده على الإسلام لأنعمنا عليهم ، واختار هذا الزجاج . والماء الغدق : هو الكثير في لغة العرب .

/خ28