معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

قوله تعالى : { تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب } ساتر الذنب { وقابل التوب } يعني : التوبة مصدر تاب يتوب توباً . وقيل : التوب جمع توبة ، مثل دومة ودوم ، وحومة وحوم ، قال ابن عباس { غافر الذنب } لمن قال لا إله إلا الله { قابل التوب } ممن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله { شديد العقاب } لمن لا يقول لا إله إلا الله { ذي الطول } ذي الغنى عمن لا يقول لا إله إلا الله . قال مجاهد : ذي الطول ذي السعة والغنى ، وقال الحسن : ذو الفضل ، وقال قتادة : ذو النعم ، وقيل : ذو القدرة . وأصل الطول الإنعام الذي تطول مدته على صاحبه . { لا إله إلا هو إليه المصير* }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

{ غَافِرِ الذَّنْبِ } للمذنبين { وَقَابِلِ التَّوْبِ } من التائبين ، { شَدِيدِ الْعِقَابِ } على من تجرأ على الذنوب ولم يتب منها ، { ذِي الطَّوْلِ } أي : التفضل والإحسان الشامل .

فلما قرر ما قرر من كماله وكان ذلك موجبًا لأن يكون وحده ، المألوه الذي تخلص له الأعمال قال : { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }

ووجه المناسبة بذكر نزول القرآن من الله الموصوف بهذه الأوصاف أن هذه الأوصاف مستلزمة لجميع ما يشتمل عليه القرآن ، من المعاني .

فإن القرآن : إما إخبار عن أسماء الله ، وصفاته ، وأفعاله ، وهذه أسماء ، وأوصاف ، وأفعال .

وإما إخبار عن الغيوب الماضية والمستقبلة ، فهي من تعليم العليم لعباده .

وإما إخبار عن نعمه العظيمة ، وآلائه الجسيمة ، وما يوصل إلى ذلك ، من الأوامر ، فذلك يدل عليه قوله : { ذِي الطَّوْلِ }

وإما إخبار عن نقمه الشديدة ، وعما يوجبها ويقتضيها من المعاصي ، فذلك يدل عليه قوله : { شَدِيدِ الْعِقَابِ }

وإما دعوة للمذنبين إلى التوبة والإنابة ، والاستغفار ، فذلك يدل عليه قوله : { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ }

وإما إخبار بأنه وحده المألوه المعبود ، وإقامة الأدلة العقلية والنقلية على ذلك ، والحث عليه ، والنهي عن عبادة ما سوى الله ، وإقامة الأدلة العقلية والنقلية على فسادها والترهيب منها ، فذلك يدل عليه قوله تعالى : { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }

وإما إخبار عن حكمه الجزائي العدل ، وثواب المحسنين ، وعقاب العاصين ، فهذا يدل عليه قوله : { إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }

فهذا جميع ما يشتمل عليه القرآن من المطالب العاليات .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

{ غَافِرِ الذنب } أى : ساتر لذنوب عباده ، ومزيل لأثرها عنهم بفضله ورحمته .

فلفظ { غَافِرِ } من الغفر بمعنى الستر والتغطية ، يقال : غفر الله - تعالى - ذنب فلان غَفْراً ومغفرة وغفرانا ، إذا غطاه وستره وعفا عنه .

ولفظ الذنب : يطلق على كل قول أو فعل تسوء عاقبته ، مأخوذ من ذنب الشئ ، أى : نهايته { وَقَابِلِ التوب } والتوب مصدر بمعنى الرجوع عن الذنب والتوبة منه . يقال : تاب فلان عن الذنب توبة وتوبتا إذا رجع عنه .

أى : أنه - سبحانه يغفر ذنوب عباده ، ويقبل توبتهم فضلا منه وكرما .

قال صاحب الكشاف : ما بال الواو فى قوله { وَقَابِلِ التوب } ؟

قلت : فيها نكته جليلة ، وهى إفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين : بين أن يقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات ، وأن يجعلها محاءة للذنوب ، كأنه لم يذنب . كأنه قال : جامع المغفرة والقبول . .

{ شَدِيدِ العقاب } أى : لمن أشرك به ، وأعرض عن الحق الذى جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم { ذِي الطول } أى : ذى الفضل والثواب والإِنعام على من يشاء من عباده .

والطَّول : السعة والغنى والزيادة ، يقال : لفلان على فلان طول ، أى زيادة وفضل ، ومنه الطُّول فى الجسم لأنه زيادة فيه . قال - تعالى - : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً . . . } أى : غنى وسعة .

{ لاَ إله إِلاَّ هُوَ } أى : لا إله بحق وصدق إلا هو - سبحانه - .

{ إِلَيْهِ المصير } أى : إليه المرجع والمآب يوم القيامة ، ليحاسبكم على أعمالكم فى الدنيا .

قال القرطبى : روى عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - أنه افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام فلما سأل عنه قيل له : تتابع فى هذا الشراب .

فقال عمر لكاتبه : اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان ، سلام عليك ، وأنا أحمد الله إليك الذى لا إله هو { بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ . حما . تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز العليم } .

إلى قوله - تعالى - : { إِلَيْهِ المصير } .

ثم ختم الكتاب وقال لرسوله : لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا . ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة . فلما وصل الكتاب إلى الرجل جعل يقرؤه ويقول : قد وعدنى الله أن يغفر لى ، وحذرنى عقابه ، فلم يبرح يرددها حتى بكى ، ثم نزع فأحسن النزع وحسنت توبته .

فلما بلغ عمر ذلك قال : هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدكم قد زل زلته فسددوه وادعوا الله له أن يتوب عليه ، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

( غافر الذنب ) . . الذي يعفو عن ذنوب العباد ، بما يعلمه - سبحانه - من استحقاقهم للغفران .

( وقابل التوب ) . . الذي يتوب على العصاة ، ويتقبلهم في حماه ، ويفتح لهم بابه بلا حجاب .

( شديد العقاب )الذي يدمر على المستكبرين ويعاقب المعاندين ، الذين لا يتوبون ولا يستغفرون .

( ذي الطول ) . . الذي يتفضل بالإنعام ، ويضاعف الحسنات ، ويعطي بغير حساب .

( لا إله إلا هو ) . . فله الألوهية وحده لا شريك له فيها ولا شبيه .

إليه المصير . . فلا مهرب من حسابه ولا مفر من لقائه . وإليه الأوبة والمعاد .

وهكذا تتضح صلته بعباده وصلة عباده به . تتضح في مشاعرهم وتصوراتهم وإدراكهم ، فيعرفون كيف يعاملونه في يقظة وفي حساسية ؛ وفي إدراك لما يغضبه وما يرضيه .

وقد كان أصحاب العقائد الأسطورية يعيشون مع آلهتهم في حيرة ، لا يعرفون عنها شيئاً مضبوطاً ؛ ولا يتبينون ماذا يسخطها وماذا يرضيها ، ويصورونها متقلبة الأهواء ، غامضة الاتجاهات ، شديدة الانفعالات ، ويعيشون معها في قلق دائم يتحسسون مواضع رضاها ، بالرقى والتمائم والضحايا والذبائح ، ولا يدرون سخطت أم رضيت إلا بالوهم والتخمين !

فجاء الإسلام واضحاً ناصعاً ، يصل الناس بإلههم الحق ، ويعرفهم بصفاته ، ويبصرهم بمشيئته ويعلمهم كيف يتقربون إليه ، وكيف يرجون رحمته ، ويخشون عذابه ، على طريق واضح قاصد مستقيم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

{ غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول } صفات أخرى لتحقيق ما فيه من الترغيب والترهيب والحث على ما هو المقصود منه ، والإضافة فيها حقيقية على أنه لم يرد بها زمان مخصوص ، وأريد ب { شديد العقاب } مشدده أو الشديد عقابه فحذف اللام للازدواج وأمن الالتباس ، أو إبدال وجعله وحده بدلا مشوش للنظم وتوسيط الواو بين الأولين لإفادة الجمع بين محو الذنوب وقبول التوبة ، أو تغاير الوصفين إذ ربما يتوهم الاتحاد ، أو تغاير موقع الفعلين لأن الغفر هو الستر فيكون لذنب باق وذلك لمن لم يتب فإن " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " . والتوب مصدر كالتوبة . وقيل جمعا والطول الفضل بترك العقاب المستحق ، وفي توحيد صفة العذاب مغمورة بصفات الرحمة دليل رجحانها . { لا إله إلا هو } فيجب الإقبال الكلي على عبادته . { إليه المصير } فيجازي المطيع والعاصي .