الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

وأخرج عبد بن حميد عن يزيد بن الأصم رضي الله عنه أن رجلاً كان ذا بأس وكان من أهل الشام ، وأن عمر فقده فسأل عنه فقيل له : في الشراب ، فدعا عمر رضي الله عنه كاتبه فقال له : اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان . . .

سلام عليكم ، فإن أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو { غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير } ثم دعا ، وأمن من عنده فدعوا له أن يقبل الله عليه بقلبه ، وأن يتوب الله عليه . فلما أتت الصحيفة الرجل جعل يقرأها ويقول { غافر الذنب } قد وعدني أن يغفر لي ، { وقابل التوب شديد العقاب } قد حذرني الله عقابه { ذي الطول } الكثير الخير { إليه المصير } فلم يزل يرددها على نفسه حتى بكى ، ثم نزع فأحسن النزع . فلما بلغ عمر رضي الله عنه أمره قال : هكذا فافعلوا إذا رأيتم حالكم في زلة فسددوه ، ووفقوه وادعوا الله له أن يتوب عليه ، ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال : كان شاب بالمدينة صاحب عبادة ، وكان عمر رضي الله عنه يحبه ، فانطلق إلى مصر ، فانفسد فجعل لا يمتنع من شر ، فقدم على عمر رضي الله عنه بعض أهله ، فسأله حتى سأله عن الشاب فقال : لا تسألني عنه قال : لم ؟ قال : لأنه قد فسد وخلع ، فكتب إليه عمر رضي الله عنه : من عمر إلى فلان { حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير } فجعل يقرأها على نفسه فأقبل بخير .

وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن رضي الله عنه في قوله { غافر الذنب وقابل التوب } قال { غافر الذنب } لمن لم يتب { وقابل التوب } لمن تاب .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن أبي إسحاق السبيعي قال : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين إن قتلت فهل لي من توبة ؟ فقرأ عليه { حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ، غافر الذنب وقابل التوب } وقال : اعمل ولا تيأس .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما { ذي الطول } السعة والغنى .

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه { ذي الطول } قال : ذي الغنى .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه { ذي الطول } قال : ذي النعم .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه { ذي الطول } قال : ذي المن .

وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله { غافر الذنب وقابل التوب . . . } قال { غافر الذنب } لمن يقول لا إله إلا الله { قابل التوب } لمن يقول لا إله إلا الله { شديد العقاب } لمن لا يقول لا إله إلا الله { ذي الطول } ذي الغنى { لا إله إلا هو } كانت كفار قريش لا يوحدونه فوحد نفسه { إليه المصير } مصير من يقول لا إله إلا هو فيدخله الجنة ، ومصير من لا يقول لا إله إلا هو فيدخله النار .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ثابت البناني رضي الله عنه قال : كنت مع مصعب بن الزبير رضي الله عنه في سواد الكوفة ، فدخلت حائطاً أصلي ركعتين ، فافتتحت { حم } المؤمن حتى بلغت { لا إله إلا هو إليه المصير } ، فإذا خلفي رجل على بغلة شهباء عليه مقطنات يمنية فقال : إذا قلت { قابل التوب } فقل : يا قابل التوب اقبل توبتي ، وإذا قلت { شديد العقاب } فقل : يا شديد العقاب لا تعاقبني ، ولفظ ابن أبي شيبة اعف عني ، وإذا قلت { ذي الطول } فقل : يا ذا الطول طل علي بخير قال : فقلتها ثم التفت فلم أر أحداً ، فخرجت إلى الباب فقلت : مر بكم رجل عليه مقطنات يمينة ؟ ! قالوا : ما رأينا أحداً . كانوا يقولون إنه إلياس .