تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

{ غَافِرِ الذَّنْبِ } للمذنبين { وَقَابِلِ التَّوْبِ } من التائبين ، { شَدِيدِ الْعِقَابِ } على من تجرأ على الذنوب ولم يتب منها ، { ذِي الطَّوْلِ } أي : التفضل والإحسان الشامل .

فلما قرر ما قرر من كماله وكان ذلك موجبًا لأن يكون وحده ، المألوه الذي تخلص له الأعمال قال : { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }

ووجه المناسبة بذكر نزول القرآن من الله الموصوف بهذه الأوصاف أن هذه الأوصاف مستلزمة لجميع ما يشتمل عليه القرآن ، من المعاني .

فإن القرآن : إما إخبار عن أسماء الله ، وصفاته ، وأفعاله ، وهذه أسماء ، وأوصاف ، وأفعال .

وإما إخبار عن الغيوب الماضية والمستقبلة ، فهي من تعليم العليم لعباده .

وإما إخبار عن نعمه العظيمة ، وآلائه الجسيمة ، وما يوصل إلى ذلك ، من الأوامر ، فذلك يدل عليه قوله : { ذِي الطَّوْلِ }

وإما إخبار عن نقمه الشديدة ، وعما يوجبها ويقتضيها من المعاصي ، فذلك يدل عليه قوله : { شَدِيدِ الْعِقَابِ }

وإما دعوة للمذنبين إلى التوبة والإنابة ، والاستغفار ، فذلك يدل عليه قوله : { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ }

وإما إخبار بأنه وحده المألوه المعبود ، وإقامة الأدلة العقلية والنقلية على ذلك ، والحث عليه ، والنهي عن عبادة ما سوى الله ، وإقامة الأدلة العقلية والنقلية على فسادها والترهيب منها ، فذلك يدل عليه قوله تعالى : { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }

وإما إخبار عن حكمه الجزائي العدل ، وثواب المحسنين ، وعقاب العاصين ، فهذا يدل عليه قوله : { إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }

فهذا جميع ما يشتمل عليه القرآن من المطالب العاليات .