الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

{ غَافِرِ الذَّنبِ } قال ابن عبّاس : لمن قال : لا إله إلاّ الله .

{ وَقَابِلِ التَّوْبِ } ممّن قال : لا إله إلاّ الله { شَدِيدِ الْعِقَابِ } لمن لايقول : لا إله إلاّ الله { ذِي الطَّوْلِ } ذي الغنى عمّن لايقول : لا إله إلاّ الله .

وقال الضحاك : ذي المنن .

قتادة : ذي النعم .

السدي : ذي السعة .

الحسن : ذي الفضل .

ابن زيد : ذي القدرة ، وأصل الطول : الإنعام الذي تطول مدته على صاحبه ، يقال : اللهم طلّ علينا ، أي أنعم علينا وتفضل ، ومنه قيل للمنفع : طائل ، ويقال في الكلام : ماخليت من فلان بطائل وما حظيت منه بنائل ، أي لم أجد منه منفعة .

حدثنا الحسن بن محمّد بن فنجويه حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا يوسف بن عبد الله ابن ماهان حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت قال : كنت إلى جانب سرادق مصعب بن الزبير في مكان لا يمر فيه الدواب ، وقد استفتحت { حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } إذ مرَّ رجل على دابة فلما قلت : ( غافر الذنب ) .

قال : قل : ياغافر الذنب اغفر لي ذنبي .

قلت : ( وقابل التوب ) .

قال : قل : ياقابل التوب اقبل توبتي . قلت : ( شديد العقاب ) .

قال : قل : ياشديد العقاب اعف عني عقابي .

قلت : ( ذي الطول ) .

قال : قل ياذي الطول طلّ عليَّ بخير .

قال : ثم التفتُ يميناً وشمالاً فلم أر شيئاً .

وقال أهل الاشارة : ( غافر الذنب ) فضلاً ( وقابل التوب ) وعداً ( شديد العقاب ) عدلاً .

{ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } فرداً . و( التّوب ) يجوز أن يكون مصدراً ، ويحتمل أن يكون جمع التوبة ، مثل دومة ودوّم وعومة وعوّم .

أخبرنا عبد الله بن حامد قرأه عليه حدثنا محمّد بن خالد بن الحسن أخبرنا داود بن سليمان حدثنا عبد بن حميد حدثنا كثير بن هشام أخبرنا جعفر بن مرقان حدثنا يزيد بن الأصم : أن رجلاً كان ذا بأس ، وكان يوفد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبأسه ، وكان من أهل الشام ، وأن عمر فقده فسأل عنه فقيل له : يتابع في هذا الشراب فدعا عمر كاتبه فقال : اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان سلام عليكم ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو { بسم الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } . وختم على الكتاب ثم دفعه إلى رسوله وقال : لا تدفعن الكتاب إليه حتّى تجده صحوان .

ثم أمر من عنده فدعوا له أن يقبل الله تعالى عليه بقلبه ، وأن يتوب عليه ، فلما أتت الصحيفة الرجل جعل يقرأها ويقول قد وعدني الله تعالى أن يغفر لي وحذّرني عقابه ، فلم يزل يرددها على نفسه حتّى بكى ثم نزع ، فاحسن النزع وحسنت توبته وحاله ، فلما بلغ عمر أمره قال : هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم زَل زلة فسدّدوه ووفقوه وادعوا الله تعالى له أن يتوب عليه ، ولاتكونوا أعواناً للشياطين عليه .