معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

قوله تعالى : { ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل } ، أي :وكما أوحينا إلى نوح وإلى الرسل ، { رسلاً } نصب بنزع حرف الصفة ، وقيل معناه : وقصصنا عليك رسلاً ، وفي قراءة أبي : { ورسل قد قصصناهم عليك من قبل } ،

قوله تعالى : { ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً } ، قال الفراء : العرب تسمي ما يوصل إلى الإنسان كلاماً بأي طريق وصل ، ولكن لا تحققه بالمصدر ، فإذا حقق بالمصدر ، لم يكن إلا حقيقة الكلام ، كالإرادة ، يقال : أراد فلان إرادةً ، يريد حقيقة الإرادة ، ويقال :أراد الجدار ، ولا يقال أراد الجدار إرادة ، لأنه مجاز غير حقيقة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

وذكر أن الرسل منهم من قصه الله على رسوله ، ومنهم من لم يقصصه عليه ، وهذا يدل على كثرتهم وأن الله أرسلهم مبشرين لمن أطاع الله واتبعهم ، بالسعادة الدنيوية والأخروية ، ومنذرين من عصى الله وخالفهم بشقاوة الدارين ، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فيقولوا : { مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ }

فلم يبق للخَلْق على الله حجة لإرساله الرسل تترى يبينون لهم أمر دينهم ، ومراضي ربهم ومساخطه وطرق الجنة وطرق النار ، فمن كفر منهم بعد ذلك فلا يلومن إلا نفسه .

وهذا من كمال عزته تعالى وحكمته أن أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ، وذلك أيضا من فضله وإحسانه ، حيث كان الناس مضطرين إلى الأنبياء أعظم ضرورة تقدر فأزال هذا الاضطرار ، فله الحمد وله الشكر . ونسأله كما ابتدأ علينا نعمته بإرسالهم ، أن يتمها بالتوفيق لسلوك طريقهم ، إنه جواد كريم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

ثم أجمل - سبحانه - بيان الرسل الذين أرسلهم فقال : { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } .

وقوله : { وَرُسُلاً } منصوب بفعل مقدر قبله . أى : وأرسلنا رسلا قد أخبرناك عنهم ، وقصصنا عليك أنباءهم فيما نزل عليك من قرآن قبل نزول الآيات عليك . وأرسلنا رسلا آخرين غيرهم لم نقصص عليك أخبارهم ؛ لأن حكمتنا تقتضى ذلك ، ولأن فيما قصصناه عليك من أخبار بعضهم عظات وعبرا لقوم يؤمنون .

هذا ، وقد تكلم بعض العلماء عن عدد الأنبياء والرسل ، واستندوا فى كلامهم على أخبار وأحاديث لم تسلم أسانيدها من الطعن فيها .

قال ابن كثير : وقد اختلف فى عدة الأنبياء والمرسلين ، والمشهور فى ذلك حديث أبى ذر الطويل ، وذلك فيما رواه ابن مردويه فى تفسيره حيث قال : حدثنا إبراهيم بن محمد . عن أبى إدريس الخولانى " عن أبى ذر قال : قلت يا رسول الله : كم عدد الأنبياء ؟ قال : " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا . قلت يا رسول الله . كم الرسل منهم ؟ قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر . . " " .

وقوله : { وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً } تشريف لموسى - عليه السلام - بهذه الصفة ولهذا يقال له : موسى الكليم . أى . وخاطب الله موسى مخاطبة من غير واسطة .

قال الجمل : والجملة إما معطوفة على قوله : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } عطف القصة على القصة ، وإما حال بتقدير قد كما ينبئ عنه تغيير الأسلوب بالالتفات .

وقوله { تَكْلِيماً } مصدر مؤكد لعامله رافع لاحتمال المجاز .

قال الفراء : العرب تسمى ما وصل إلى الإِنسان كلاما بأى طريق وصل . ما لم يؤكد بالمصدر . فإن أكد به لم يكن إلا حقيقة الكلام .

فدل قوله { تَكْلِيماً } على أن موسى قد سمع كلام الله - تعالى - حقيقة من غير واسطة ، ولكن بكيفية لا يعلمها إلا هو - سبحانه - .

وقد سابق بعض المفسرين نقولا حسنة فى مسألة كلام الله - تعالى - فارجع إليها إن شئت .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

148

( وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً )

وغيرهم ممن قصهم الله على نبيه [ ص ] في القرآن ، وممن لم يقصصهم عليه . . موكب من شتى الأقوام والأجناس ، وشتى البقاع والأرضين . في شتى الآونة والأزمان . لا يفرقهم نسب ولا جنس ، ولا أرض ولا وطن . ولا زمن ولا بيئة . كلهم آت من ذلك المصدر الكريم . وكلهم يحمل ذلك النور الهادي . وكلهم يؤدي الإنذار والتبشير . وكلهم يحاول أن يأخذ بزمام القافلة البشرية إلى ذلك النور . . سواء منهم من جاء لعشيرة . ومن جاء لقوم . ومن جاء لمدينة ومن جاء لقطر . . ثم من جاء للناس أجمعين : محمد رسول الله [ ص ] خاتم النبيين .

كلهم تلقى الوحي من الله . فما جاء بشيء من عنده . وإذا كان الله قد كلم موسى تكليما فهو لون من الوحي لا يعرف أحد كيف كان يتم . لأن القرآن - وهو المصدر الوحيد الصحيح الذي لا يرقى الشك إلى صحته - لم يفصل لنا في ذلك شيئا . فلا نعلم إلا أنه كان كلاما . ولكن ما طبيعته ؟ كيف تم ؟ بأية حاسة أو قوة كان موسى يتلقاه ؟ . . . كل ذلك غيب من الغيب لم يحدثنا عنه القرآن . وليس وراء القرآن - في هذا الباب - إلا أساطير لا تستند إلى برهان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

وقوله { وَرُسُلا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } أي : من قبل هذه الآية ، يعني : في السور المكية وغيرها .

وهذه تسمية الأنبياء الذين نُصَّ{[8722]} على أسمائهم في القرآن ، وهم : آدم وإدريس ، ونوح ، وهود ، وصالح ، وإبراهيم ، ولوط ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، ويوسف ، وأيوب ، وشعيب ، وموسى ، وهارون ، ويونس ، وداود ، وسليمان ، وإلياس ، والْيَسَع ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى [ عليهم الصلاة والسلام ]{[8723]} وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين ، وسيدهم محمد صلى الله وعليه وسلم .

وقوله : { وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } أي : خلقا آخرين لم يذكروا في القرآن ، وقد{[8724]} اختلف في عدة الأنبياء والمرسلين والمشهور في ذلك حديث أبي ذر الطويل ، وذلك فيما رواه ابن مَرْدُويه ، رحمه الله ، في تفسيره ، حيث قال : حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن ، والحسين بن عبد الله بن يزيد قالا حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني{[8725]} حدثني أبي عن جدي ، عن أبي إدريس الخَوْلاني ، عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ، كم الأنبياء ؟ قال : " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا " . قلت : يا رسول الله ، كم الرسل منهم ؟ قال : " ثلاثمائة وثلاثة عشر جَمّ غَفِير " . قلت : يا رسول الله ، من كان أولهم ؟ قال : " آدم " . قلت : يا رسول الله ، نبي مرسل ؟ قال : " نعم ، خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، ثم سَوَّاه قِبَلا " . ثم قال : " يا أبا ذر ، أربعة سريانيون : آدم ، وشيث ، ونوح ، وخَنُوخ - وهو إدريس ، وهو أول من خط بقلم - وأربعة من العرب : هود ، وصالح ، وشعيب ، ونبيك يا أبا ذر ، وأول نبي من أنبياء بني إسرائيل موسى ، وآخرهم عيسى . وأول النبيين آدم ، وآخرهم نبيك " .

قد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم ابن حبان البستي في كتابه : " الأنواع والتقاسيم " وقد وَسَمَه بالصحة ، وخالفه أبو الفرج بن الجوزي ، فذكر هذا الحديث في كتابه " الموضوعات " ، واتهم به إبراهيم بن هشام هذا ، ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث{[8726]} فالله أعلم .

وقد روي الحديث{[8727]} من وجه آخر ، عن صحابي آخر ، فقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا مُعَان بن رفاعة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أُمَامة قال : قلت : يا نبي الله ، كم الأنبياء ؟ قال : " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غَفِيرًا " .

مُعَان بن رفاعة السَّلامي ضعيف ، وعلي بن يزيد ضعيف ، والقاسم أبو عبد الرحمن ضعيف أيضا{[8728]} .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا أحمد بن إسحاق أبو عبد الله الجوهري البصري ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن عبيدة الرَّبَذي ، عن يزيد الرَّقَاشي ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعث الله ثمانية آلاف نبي ، أربعة آلاف إلى بني إسرائيل ، وأربعة آلاف إلى سائر الناس " .

وهذا أيضا إسناد ضعيف فيه الربذي ضعيف ، وشيخه الرَّقَاشي أضعف منه أيضا{[8729]} والله أعلم .

وقال أبو يعلى : حدثنا أبو الربيع ، حدثنا محمد بن ثابت العَبْدِي ، حدثنا محمد بن خالد الأنصاري ، عن يزيد الرَّقَاشي ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كان فيمن خلا من إخواني من الأنبياء ثمانية آلاف نبي ، ثم كان عيسى ابن مريم ، ثم كنت أنا " {[8730]} .

وقد رويناه عن أنس من وجه آخر ، فأخبرني الحافظ أبو عبد الله الذهبي ، أخبرنا أبو الفضل بن عساكر ، أنبأنا الإمام أبو بكر القاسم بن أبي سعيد الصفار ، أخبرتنا عمة أبي ، عائشة بنت أحمد بن منصور بن الصفار ، أخبرنا الشريف أبو السنابك هبة الله بن أبي الصهباء محمد بن حيدر القُرَشِي ، حدثنا الإمام الأستاذ أبو إسحاق الإسْفَراييني قال : أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا أحمد بن طارق ، حدثنا مسلم بن خالد ، حدثنا زياد بن سعد ، عن محمد بن المُنْكَدِر ، عن صفوان بن سُلَيْم ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت على إثر من ثلاثة آلاف نبي من بني إسرائيل " . وهذا غريب من هذا الوجه وإسناده لا بأس به ، رجاله كلهم معروفون إلا أحمد بن طارق هذا ، فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح{[8731]} والله أعلم .

حديث أبي ذر الغفاري الطويل في عدد الأنبياء عليهم السلام :

قال محمد بن الحسين الآجري : حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الفِرْيابي إملاء في شهر رجب سنة سبع وتسعين ومائتين ، حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغسَّاني ، حدثنا أبي ، عن جده عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر قال : دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده ، فجلست إليه فقلت : يا رسول الله ، إنك أمرتني بالصلاة . قال : " الصلاة خير موضوع فاستكثر أو استقل " . قال : قلت : يا رسول الله ، فأي الأعمال أفضل ؟ قال : " إيمان بالله ، وجهاد في سبيله " . قلت : يا رسول الله ، فأي المؤمنين أفضل ؟ قال : " أحسنهم خلقا " . قلت : يا رسول الله ، فأي المسلمين أسلم ؟ قال : " من سَلِمُ الناسُ من لسانه ويده " . قلت : يا رسول الله ، فأي الهجرة أفضل ؟ قال : " من هَجَر السيئات " . قلت : يا رسول الله ، أيّ الصلاة أفضل ؟ قال : " طول القنوت " . قلت : يا رسول الله ، فأي الصيام أفضل ؟ قال : " فَرْضٌ مجزئ وعند الله أضعاف كثيرة " . قلت : يا رسول الله ، فأي الجهاد أفضل ؟ قال : " من عُقِر جَواده وأهرِيق دَمُه " . قلت : يا رسول الله ، فأيّ الرقاب أفضل ؟ قال : " أغلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها " . قلت : يا رسول الله فأيّ الصدقة أفضل ؟ قال : " جَهْد من مُقِلٍّ ، وسر إلى فقير " . قلت : يا رسول الله ، فأيّ آية ما أنزل عليك أعظم [ منها ]{[8732]} ؟ قال : " آية الكرسي " . ثم قال : " يا أبا ذر ، وما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فَلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة " . قال : قلت : يا رسول الله ، كم الأنبياء ؟ قال : " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا " قال : قلت : يا رسول الله ، كم الرسل من ذلك ؟ قال : " ثلاثمائة ، وثلاثة عشر جمٌّ غَفيرٌ كثير طيب " . قلت : فمن كان أولهم ؟ قال : " آدم " . قلت : أنبي مرسل ؟ قال : " نعم ، خلقه الله بيده ، ونفخ{[8733]} فيه من روحه ، وسَوَّاه قَبِيلا{[8734]} ثم قال : " يا أبا ذر ، أربعة سريانيون : آدم ، وشيث ، وخَنُوخ - وهو إدريس ، وهو أول من خط بقلم - ونوح . وأربعة من العرب : هود ، وشعيب ، وصالح ، ونبيك يا أبا ذر . وأول أنبياء بني إسرائيل موسى ، وآخرهم عيسى . وأول الرسل{[8735]} آدم ، وآخرهم محمد " . قال : قلت : يا رسول الله ، كم كتابًا أنزله الله ؟ قال : " مائة كتاب وأربعة كتب ، وأنزل الله على شيث خمسين ، صحيفة ، وعلى خَنُوخ ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم عشر صحائف ، وأنزل على موسى من قبل التوراة عشر صحائف والإنجيل والزبور والفرقان " . قال : قلت : يا رسول الله ، ما كانت صحف إبراهيم ؟ قال : " كانت كلها : يا أيها الملك المسلط المبتلى المغرور ، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردها ولو كانت من كافر . وكان فيها مثال : وعلى العاقل أن يكون له ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يفكر في صنع الله ، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب . وعلى العاقل ألا يكون ضاغنا إلا لثلاث : تزود لمعاد ، أو مَرَمَّة لمعاش ، أو لذة في غير محرم . وعلى العاقل أن يكون بصيرًا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظًا للسانه ، ومَنْ حَسِب كلامه من عمله قَلَّ كلامه إلا فيما يعنيه " . قال : قلت : يا رسول الله ، فما كانت صحف موسى ؟ قال : " كانت عِبَرًا كلها : عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح ، عجبت لمن أيقن بالقَدَر ثم هو يَنْصب ، وعجبت لمن يرى الدنيا وتَقَلُّبَهَا بأهلها ثم يطمئن إليها ، وعجبت لمن أيقن بالحساب غدًا ثم هو لا يعمل " قال : قلت : يا رسول الله ، فهل في أيدينا شيء مما في أيدي إبراهيم وموسى ، وما أنزل الله عليك ؟ قال : " نعم ، اقرأ يا أبا ذر : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى . بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى . إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } [ الأعلى : 14 - 19 ] .

قال : قلت يا رسول الله ، فأوصني . قال : " أوصيك بتقوى الله ، فإنه رأس أمرك " .

قال : قلت يا رسول الله ، زدْني . قال : " عليك بتلاوة القرآن ، وذِكْر الله ، فإنه ذكرٌ لك في السماء ، ونورٌ لك في الأرض " .

قال : قلت : يا رسول الله ، زدني . قال : " إياك وكثرة الضحك . فإنه يميت القلب ، ويُذْهِبُ بنور الوجه " . قلت : زدني . قال : " عليك بالجهاد ، فإنه رهبانية أمتي " . قلت : زدني . قال : " عليك بالصمت إلا من خير ، فإنه مَطْرَدَةٌ للشيطان{[8736]} وعون لك على أمر دينك " .

قلت : زدني . قال : " انظر إلى من هو تحتك ، ولا تنظر إلى من هو فوقك ، فإنه أجدر لك ألا تزدري نعمة الله عليك " .

قلت : زدني . قال : " أحبب المساكين وجالسهم ، فإنه أَجْدرُ أن لا تزدري نعمة الله عليك " . قلت : زدني . قال : " صل قرابتك وإن قطَعوك " . قلت : زدني . قال : " قل الحق وإن كان مرا " .

قلت : زدني . قال : " لا تخف في الله لومة لائم " .

قلت : زدني . قال : " يَرُدَّك عن الناس ما تعرف عن نفسك ، ولا تَجِدُ عليهم فيما تحب ، وكفى بك عيبًا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك . أو تجد عليهم فيما تحب " .

ثم ضرب بيده صدري ، فقال : " يا أبا ذر ، لا عَقْل كالتدبير ، ولا وَرَع كالكف ، ولا حسب كحسن الخلق " {[8737]}

وروى الإمام أحمد ، عن أبي المغيرة ، عن مُعَان بن رفاعة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة : أن أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر أمر الصلاة ، والصيام ، والصَدقة ، وفَضْلَ آية الكرسي ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وأفضلَ الشهداءِ ، وأفضلَ الرقاب ، ونبوة آدم ، وأنه مُكَلَّم ، وعددَ الأنبياء والمرسلين ، كنحو ما تقدم{[8738]} .

وقال عبد الله بن الإمام أحمد : وجدت في كتاب أبي بخطه : حدثني عبد المتعالي بن عبد الوهاب ، حدثنا يحيى بن سعيد الأمَوي ، حدثنا مُجَالِد عن أبي الوَدَّاك قال : قال أبو سعيد : هل تقول الخوارج بالدجال ؟ قال : قلت : لا . فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني خاتمُ ألفِ نبيّ أو أكثرَ ، وما بُعِثَ نبيٌّ يُتَّبعُ إلا وقد حذر أمته منه ، وإني قد بُيِّنَ لي ما لم يُبَيَّن [ لأحد ]{[8739]} وإنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور ، وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى ، كأنها نخامة في حائط مُجَصَّص ، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري ، معه من كل لسان ، ومعه صورة الجنة خضراء يجري فيها الماء ، وصورة النار سوداء تَدْخُن " {[8740]} .

وقد رويناه في الجزء الذي فيه رواية أبي يعلى الموصلي ، عن يحيى بن مَعين ، حدثنا مروان بن معاوية ، حدثنا مُجَالِد ، عن أبي الودَّاك ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أختم ألفَ ألفَ نبيٍّ أو أكثرَ ، ما بعث الله من نبي إلى قومه إلا حذَّرهم الدجالَ . . . . " وذكر تمام الحديث ، هذا لفظه بزيادة " ألْف " وقد تكون مُقْحَمة{[8741]} والله أعلم . وسياق رواية الإمام أحمد أثبت وأولى بالصحة ، ورجال إسناد هذا الحديث لا بأس بهم ، وروي هذا الحديث من طريق جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه ، قال الحافظ أبو بكر البزار :

حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا مُجَالد ، عن الشَّعبي ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لخاتمُ ألف نبيٍّ أو أكثر ، وإنه ليس منهم نبيٌّ إلا وقد أنذر قومه الدَّجالَ ، وإني قد بُيِّن{[8742]} لي ما لم يُبَيَّن لأحد منهم وإنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعورَ " {[8743]} .

وقوله : { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } وهذا تشريف لموسى ، عليه السلام ، بهذه الصفة ؛ ولهذا يقال له : الكليم . وقد قال الحافظ أبو بكر بن مَرْدويه : حدثنا أحمد بن محمد بن سليمان المالكي ، حدثنا مَسيحُ بن حاتم ، حدثنا عبد الجبار{[8744]} بن عبد الله قال : جاء رجل إلى أبي بكر بن عيَّاش فقال : سمعت رجلا يقرأ : " وكلم الله موسى تكليما " فقال أبو بكر : ما قرأ هذا إلا كافر ، قرأتُ على الأعمش ، وقرأ الأعمش على [ يحيى ]{[8745]} بن وثاب ، وقرأ يحيى بن وثَّاب على أبي عبد الرحمن السَّلْمِيّ ، وقرأ أبو عبد الرحمن ، عَلَى عَلِيِّ بن أبي طالب ، وقرأ علي بن أبي طالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا }{[8746]} .

وإنما اشتد غضب أبي بكر بن عياش ، رحمه الله ، على مَن قرأ كذلك ؛ لأنه حَرّف لفظ القرآن ومعناه ، وكان هذا من المعتزلة الذين ينكرون أن [ يكون ]{[8747]} الله كلَّم موسى ، عليه السلام ، أو يكلم أحدًا من خلقه ، كما رويناه{[8748]} عن بعض المعتزلة أنه قرأ على بعض المشايخ : " وكلم الله موسى تكليما " فقال له : يا ابن اللَّخْنَاء ، فكيف تصنع بقوله تعالى : { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } [ الأعراف : 143 ] ، يعني : أن هذا لا يحتمل التحريف ولا التأويل .

وقال ابن مَرْدُوَية : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا أحمد بن الحسين بن بَهْرَام ، حدثنا محمد بن مرزوق ، حدثنا هانئ بن يحيى ، عن الحسن بن أبي جعفر ، عن قتادة عن يحيى بن وَثَّاب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَما كلم الله موسى كان يُبْصِرُ دبيبَ النمل على الصفا في الليلة الظلماء " . وهذا حديث غريب ، وإسناده لا يصح ، وإذا صح موقوفًا كان جيدًا{[8749]} .

وقد روى الحاكم في مستدركه وابن مردويه ، من حديث حميد بن قيس الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كان على موسى يوم كلمه ربُّه جبة صوف ، وكساء صوف ، وسراويل صوف ، ونعلان من جلد حمار غير ذكي " {[8750]} .

وقال ابن مردويه بإسناده عن جُوَيْبر ، عن الضَّحاك عن ابن عباس قال : إن الله ناجَى موسى بمائة ألف كلمة وأربعين ألف كلمة ، في ثلاثة أيام ، وصايا كلها ، فلما سمع موسى كلام الآدميين مَقتهم مما وقع في مسامعه من كلام الرب ، عز وجل .

وهذا أيضًا إسناد ضعيف ، فإن جُوَيْبِرًا ضعيف ، والضَّحاك لم يدرك ابنَ عباس ، رضي الله عنه . فأما الأثر الذي رواه ابن أبي حاتم وابن مَرْدُويه وغيرهما من طريق الفضل بن عيسى الرَّقَاشي ، عن محمد بن المُنْكَدِر ، عن جابر بن عبد الله قال : لما كلم الله موسى يوم الطورِ ، كلَّمه بغير الكلام الذي كلَّمه يوم ناداه ، فقال له موسى : يا رب ، هذا كلامك الذي كلمتني به ؟ قال : لا يا موسى ، أنا كلمتك بقوة عَشَرةِ آلاف لسان ، ولي قوةُ الألْسِنة كلها ، وأنا أقوى من ذلك . فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا : يا موسى ، صِفْ لنا كلام الرحمن . قال : لا أستطيعه . قالوا : فشبه لنا . قال : ألم تسمعوا{[8751]} إلى صوت الصواعق فإنها قريب منه ، وليس به . وهذا إسناد ضعيف ، فإن الفضلَ هذا الرقاشي ضعيف بمرة .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، عن جَزْء بن جابر الخَثْعَمي ، عن كعب قال : إن الله لما كلم موسى كلمه بالألسنة كلها سِوَى كلامه ، فقال له موسى يا رب ، هذا كلامك ؟ قال : لا ولو كلمتك بكلامي لم تَستَقِمْ له . قال : يا رب ، فهل من خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا وأشد خلقي شبها بكلامي أشد ما تسمعون من الصواعق .

فهذا موقوف على كعب الأحبار ، وهو يحكي عن الكتب المتقدمة المشتملة على أخبار بني إسرائيل ، وفيها الغَثُّ والسَّمِين .


[8722]:في د: "نص الله".
[8723]:زيادة من أ.
[8724]:في د: "ولذا".
[8725]:في أ: "يحيى بن يحيى الغساني".
[8726]:صحيح ابن حبان برقم (94) "موارد" ورواه أبو نعيم في الحلية (1/166) من طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى به.وإبراهيم بن هشام الغساني كذبه أبو حاتم وأبو زرعة، وقال الذهبي: "وهو صاحب حديث أبي ذر الطويل انفرد به عن أبيه عن جده".
[8727]:في ر: "هذا".
[8728]:ذكره السيوطي في الدر المنثور(2/746).
[8729]:مسند أبي يعلى (7/160) ورواه أبو نعيم في الحلية(3/53) من طريق مكي بن إبراهيم به.قال الهيثمي في المجمع (8/210): "فيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف جدًا".
[8730]:مسند أبي يعلى (7/131) وقال الهيثمي في المجمع (8/211): "فيه محمد بن ثابت العبدي وهو ضعيف".
[8731]:ورواه أبو نعيم في الحلية (3/162) من طريق مسلم بن خالد الزنجي به. وقال: "غريب".
[8732]:زيادة من أ.
[8733]:في د: "ثم نفخ".
[8734]:في أ: "قبلا".
[8735]:في د: "النبيين".
[8736]:في أ: "للشياطين".
[8737]:الشريعة للآجري (ص 404) وفي إسناده إبراهيم بن هشام الغساني، كذبه أبو حاتم وأبو زرعة، وقد انفرد به عن أبيه عن جده.
[8738]:المسند (5/265).
[8739]:زيادة من أ، والمسند.
[8740]:المسند(3/79) وقال الهيثمي في المجمع (7/346): "فيه مجالد بن سعيد وثقه النسائي في رواية، وقال في أخري: ليس بالقوي. وضعفه جماعة.
[8741]:ورواه الحاكم في المستدرك (2/597) من طريق يحيى بن معين به، وقال الذهبي: مجالد وهو ضعيف، وليس فيه زيادة "ألف" وهي مقمحة كما ذكر المؤلف.
[8742]:في أ: "تبين".
[8743]:مسند البزار برقم (3380) "كشف الأستار".
[8744]:في د: "عبد الجليل".
[8745]:زيادة من أ.
[8746]:ورواه الطبراني في الأوسط برقم (3325) "مجمع البحرين" من طريق مسيح بن حاتم به. وقال الطبراني: "لم يروه عن الأعمش إلا أبو بكر، تفرد به عبد الجبار بن عبد الله لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".
[8747]:زيادة من أ.
[8748]:في أ: "تروا".
[8749]:ورواه الطبراني في المعجم الصغير برقم (77)، من طريق أحمد بن الحسين بن بهرام به، وقال الهيثمي في المجمع (8/203): "فيه الحسين بن أبي جعفر الجفري: وهو متروك".
[8750]:المستدرك (2/379) ورواه الترمذي في السنن برقم (1734) من طريق حميد الأعرج به.قال الحاكم: "على شرط البخاري"، وتعقبه الذهبي بقوله: "بل ليس على شرطه، وإنما غره أن في إسناده حميد بن قيس كذا، وهو خطأ، إنما هو حميد الأعرج الكوفي ابن علي أو ابن عمار أحد المتروكين فظن أنه المكي الصادق.
[8751]:في أ: "تروا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلّمَ اللّهُ مُوسَىَ تَكْلِيماً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : إنا أوحينا إليك ، كما أوحينا إلى نوح ، وإلى رسل قد قصصناهم عليك ، ورسل لم نقصصهم عليك . فلعل قائلاً أن يقول : فإذا كان ذلك معناه ، فما بال قوله : وَرُسُلاً منصوبا غير مخفوض ؟ قيل : نصب ذلك إذا لم تعد عليه «إلى » التي خفضت الأسماء قبله ، وكانت الأسماء قبلها وإن كانت مخفوضة ، فإنها في معنى النصب ، لأن معنى الكلام : إنا أرسلناك رسولاً كما أرسلنا نوحا والنبيين من بعده ، فعطفت الرسل على معنى الأسماء قبلها في الإعراب ، لانقطاعها عنها دون ألفاظها ، إذ لم يعد عليها ما خفضها ، كما قال الشّاعر :

لَوْ جِئْتَ بالخُبْزِ لَهُ مُنَشّرَا ***والبَيْضَ مَطْبُوخا مَعا والسّكّرَا

*** لمْ يُرْضِهِ ذَلِكَ حتى يَسْكَرَا ***

وقد يحتمل أن يكون نصب الرسل ، لتعلق الواو بالفعل ، بمعنى : وقصصنا رسلاً عليك من قبل ، كما قال جلّ ثناؤه : يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظّالِمِينَ أعَدّ لَهُمْ عَذَابا ألِيما ، وقد ذكر أن ذلك في قراءة أُبَيّ : «وَرُسُلٌ قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلٌ لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ » فرفع ذلك إذا قرىء كذلك بعائد الذكر في قوله : قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ .

وأما قوله : وكَلّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيما فإنه يعني بذلك جلّ ثناؤه : وخاطب الله بكلامه موسى خطابا . وقد :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا نوح بن أبي مريم ، وسئل : كيف كلّم الله موسى تكليما ؟ فقال : مشافهة .

وقد حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن ابن مبارك ، عن معمر ويونس ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، قال : أخبرني جزء بن جابر الخثعمي ، قال : سمعت كعبا يقول : إن الله جلّ ثناؤه لمّا كلم موسى ، كلمه بالألسنة كلها قبل كلامه يعني كلام موسى فجعل يقول : يا ربّ لا أفهم حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة ، فقال : يا ربّ هكذا كلامك ؟ قال : لا ، ولو سمعت كلامي أي على وجهه لم تك شيئا . قال ابن وكيع ، قال أبو أسامة : وزادني أبو بكر الصغاني في هذا الحديث : أن موسى قال : يا ربّ هل في خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا ، وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشدّ ما تسمع الناس من الصواعق .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر ، قال : سمعت محمد بن كعب القُرَظيّ ، يقول : سئل موسى : ما شبّهتَ كلام ربك مما خلق ؟ فقال موسى : الرعد الساكن .

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن ، أنه أخبره عن جزء بن جابر الخثعمي ، قال : لما كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه ، فطفق يقول : والله يا ربّ ما أفقه هذا حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة بمثل صوته ، فقال موسى : يا ربّ هذا كلامك ؟ قال : لا ، قال : هل في خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا ، وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشدّ ما يسمع الناس من الصواعق .

حدثني أبو يونس المكيّ ، قال : حدثنا ابن أبي أُوَيس ، قال : أخبرني أخي ، عن سليمان ، عن محمد بن أبي عتيق ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، أنه أخبره جَزْء بن جابر الخثعمي ، أنه سمع الأحبار تقول : لمّا كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه ، فطفق موسى يقول : أي ربّ ، والله ما أفقه هذا حتى كلمه آخر الألسنة بلسانه بمثل صوته ، فقال موسى : أي ربّ ، أهكذا كلامك ؟ فقال : لو كلمتك بكلامي لم تكن شيئا . قال : أي ربّ هل في خلقك شيء يشبه كلامك ؟ فقال : لا ، وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشدّ ما يسمع من الصواعق .

حدثنا ابن عبد الرحمين ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا زهير ، عن يحيى ، عن الزهريّ ، عن أبي بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن جزء بن جابر ، أنه سمع كعبا يقول : لما كلم الله موسى بالألسنة قبل لسانه ، طفق موسى يقول : أي ربّ ، إني لا أفقه هذا حتى كلمه الله آخر الألسنة بمثل لسانه ، فقال موسى : أي ربّ هذا كلامك ؟ قال الله : لو كلمتك بكلامي لم تكن شيئا . قال : يا ربّ ، فهل من خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا ، وأقرب خَلْقي شبها بكلامي ، أشدّ ما يسمع من الصواعق .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

وقوله تعالى : { ورسلاً قد قصصناهم عليك } الآية ، نصب { رسلاً } على المعنى ، لأن المعنى إنا أرسلناك كما أرسلنا نوحاً ، ويحتمل أن ينصب { رسلاً } بفعل مضمر تقديره أرسلنا رسلاً ، لأن الرد على اليهود إنما هو في إنكارهم إرسال الرسل واطراد الوحي ، وفي حرف{[4378]} أبي بن كعب «ورسل » في الموضعين بالرفع على تقديرهم رسل ، و { قصصناهم } معناه ذكرنا أسماءهم وأخبارهم ، وقوله تعالى : { ورسلاً لم نقصصهم عليك } يقتضي كثرة الأنبياء دون تحديد بعدد ، وقد قال تعالى { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير }{[4379]} وقال تعالى : { وقروناً بين ذلك كثيراً }{[4380]} وما يذكر من عدد الأنبياء فغير صحيح ، الله أعلم بعدتهم ، صلى الله عليهم{[4381]} .

وقوله تعالى : { وكلم الله موسى تكليماً } إخبار بخاصة موسى ، وأن الله تعالى شرفه بكلامه ثم أكد تعالى الفعل بالمصدر ، وذلك منبىء في الأغلب عن تحقيق الفعل ووقوعه ، وأنه خارج عن وجوه المجاز والاستعارة ، لا يجوز أن تقول العرب : امتلأ الحوض وقال : قطني{[4382]} قولاً ، فإنما تؤكد بالمصادر الحقائق ، ومما شذ قول هند بنت النعمان بن بشير :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** وعجت عجيجاً من جذام المطارف{[4383]} .

وكلام الله للنبي موسى عليه السلام دون تكييف ولا تحديد ولا تجويز حدوث ولا حروف ولا أصوات ، والذي عليه الراسخون في العلم : أن الكلام هو المعنى القائم في النفس ، ويخلق الله لموسى أو جبريل إدراكاً من جهة السمع يتحصل به الكلام ، وكما أن الله تعالى موجود لا كالموجودات ، معلوم لا كالمعلومات فكذلك كلامه لا كالكلام ، وما روي عن كعب الأحبار عن محمد بن كعب القرظي ونحوهما : من أن الذي سمع موسى كان كأشد ما يسمع من الصواعق ، وفي رواية أخرى كالرعد الساكن فذلك كله غير مرضي عند الأصوليين ، وقرأ جمهور الأمة «وكلم اللهُ موسى » بالرفع في اسم الله ، وقرأ يحيى بن وثاب وإبراهيم النخعي «وكلم الله » بالنصب على أن موسى هو المكلم ، وهي قراءة ضعيفة من جهة الاشتهار ، لكنها مخرجة من عدة تأويلات .


[4378]:- أي: في قراءة أبي بن كعب.
[4379]:- من قوله تعالى في الآية (24) من سورة (فاطر): {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا، وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}.
[4380]:- من قوله تعالى في الآية (38) من سورة (الفرقان): {وعادا وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا}.
[4381]:- رويت أحاديث كثيرة في عدد الأنبياء، ومنها ما أخرجه عبد بن حميد، والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"، وابن حبان في صحيحه، والحاكم، وابن عساكر- عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: "مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألفا" قلت: يا رسول الله، كم الرسل منهم؟ قال: "ثلاثمائة وثلاثة عشر، جم غفير"، ثم قال: "يا أبا ذر، أربعة سريانيون، آدم وشيت ونوح وخنوخ وهو إدريس، وهو أول من خط بقلم، وأربعة من العرب، هود وصالح وشعيب ونبيك، =وأول نبي من أنبياء بني إسرائيل موسى، وآخرهم عيسى، وأول النبيين آدم، وآخرهم نبيك" اهـ، قال في "الدر المنثور": "أخرجه ابن حبان في صحيحه، وابن الجوزي في الموضوعات، وهما في طرفي نقيض، والصواب أنه ضعيف لا صحيح ولا موضوع كما بينته في مختصر الموضوعات" اهـ.
[4382]:- "امتلأ الحوض وقال قطني" شطر بيت هو بتمامه قول الراجز: امتلأ الحوض وقال قطني مهلا رويدا، قد ملأت بطني يستشهدون به على النون تزاد في (قط) لأنهم لم يريدوا أن يكسروا الطاء لئلا يجعلوها بمنزلة الأسماء المتمكنة نحو: يدي، وإن قال بعضهم: إن (قطني) كلمة موضوعة لا زيادة فيها مثل: (حسبي)، قال ابن بري: "عني ومني وقطني ولدني على القياس، لأن نون الوقاية تدخل الأفعال لتقيها الجر وتبقى على فتحتها". أما قول ابن عطية: "لا يجوز أن تقول العرب: امتلأ الحوض وقال قطني قولا" فيقصد ما أجمع عليه النحويون من أنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازا، وأنك لا يصح في مثل قول الشاعر هذا: "امتلأ الحوض...الخ" أن تقول: قال قولا، فكذلك لما قال الله تعالى: {وكلم الله موسى تكليما} وجب أن يكون كلاما على الحقيقة من الكلام الذي يُعقل – قاله النحاس، وحكاه القرطبي في تفسيره.
[4383]:- هذا هو الشطر الثاني من البيت، أما البيت بتمامه فهو: بكى الخز من روح وأنكر جلده وعجت عجيجا من جذام المطارف والخز: ما ينسج من صوف وإبريسم أو من إبريسم خالص، وأنكره: نفر منه، وعجّ: رفع صوته بالشكوى، وجذام: قبيلة روح، والمطارف: جمع مطرف- بضم الميم وسكون الطاء وفتح الراء- وهو رداء من خز مربع فيه علامات، والمعنى أن هذه القبيلة ليست أهلا للبس الخز والمطارف، ولذلك أنكر الخز جلد روح وبكى حين لمسه، وكذلك ارتفع صوت المطارف صارخة من لبس جذام لها وهي غير أهل لمتعتها وترفها.