قوله : { وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ } كالأول . وقوله : { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى } الجمهور على رفع الجلالة ، وهي واضحةٌ . و " تَكْلِيماً " مصدرٌ مؤكد رافعٌ للمجاز .
قال الفرَّاء{[10357]} : العَرَبُ [ تُسَمِّي ]{[10358]} ما يُوصَلُ إلى الإنْسَانِ كلاماً بأيِّ طَرِيقٍ وَصَلَ ولكِنْ لا تُحَقِّقُه بالمصْدَرِ ، فإذا حُقِّق بالمصْدَرِ ، لم يَكُنْ إلاَّ حَقِيقَةَ الكلامِ ؛ كالإرادَةِ ، يُقال : أراد فُلانٌ إرادَةً ، يريد : حَقيقةَ الإرَادَة .
قال القُرْطُبِي{[10359]} : " تَكْلِيماً " يقدر مَعْنَاه بالتَّأكِيدِ ، وهذا يَدُلُّ على بُطْلانِ قول من يقُولُ : خَلَق [ اللَّه ]{[10360]} لِنَفْسه كَلاَماً في شَجَرةٍ ، فَسَمِعَهُ مُوسَى - [ عليه السلام ]{[10361]} - ، بل هو الكلامُ الحقيقيُّ الذي يكُون به المُتَكَلِّم مُتَكَلِّماً .
قال النَّحَّاس{[10362]} : وأجمع النَّحوِيُّون على أنَّك إذا أكَّدْت الفِعْلَ بالمصْدَر ، لم يَكُنْ مجازاً ، وأنَّه لا يجُوزُ في قول الشاعر : [ الرجز ]
امْتَلأ الْحَوْضُ وقال قَطْنِي{[10363]} *** . . .
أن يقول : قال قولاً فكذا لمَّا قال : " تَكْلِيماً " وجَبَ أن يكُون كلاماً على الحَقِيقَةِ .
ومعنى الآية : أنَّ الله - تعالى - ذكر هَؤلاء الأنْبِيَاء والرُّسُل [ وخص مُوسَى ]{[10364]} بالتكْلِيم مَعَهُ ولم يَلْزَم مِنْ تَخْصِيصِ مُوسَى عليه السلام بهَذَا التَّشْرِيف ، الطَّعْن في نُبُوة الأنْبِيَاء - عليهم السلام - ، فكَذَلِك لا يلزم من إنْزَالُ التَّوْرَاة دفْعَةً واحِدَةً الطَّعْن فيمن أُنْزِل عليه الكِتَاب مُفَصَّلاً .
وقرأ إبْراهيم{[10365]} ويَحْيَى بن وَثَّاب : بنَصْبِ الجلالة .
وقال بعضُهُم : { وَكَلَّمَ اللَّهُ [ مُوسَى تَكْلِيماً ]{[10366]} } معناه : وجَرَحَ اللَّهُ مُوسَى بأظْفَار المحن ومَخَالِب الفَتن ، وهذا تَفْسِيرٌ بَاطِلٌ .
وقد جاء التأكيد بالمصدر في ترشيح المجاز ؛ كقول هند بنت النعمانِ بن بشير في زوْجِها رَوْحِ بْنِ زِنْبَاعٍ وزيرِ عبد الملِكِ بْنِ مَرْوَانَ : [ الطويل ]
بَكَى الْخَزُّ مِنْ رَوْحٍ وأنْكَرَ جِلْدَهُ *** وَعَجَّتْ عَجِيجاً مِنْ جُذَامَ المَطَارِفُ{[10367]}
تقول : إنَّ زوْجَها رَوْحاً قد بكَى ثيابُ الخَزِّ مِنْ لُبْسِهِ ؛ لأنه ليس من أهل الخَزِّ ، وكذلك صرخَتْ صُرَاخاً من جُذَام - وهي قبيلة رَوحٍ - ثيابُ المطارِفِ ، تعني : أنهم ليسوا من أهل تلك الثياب ، فقولها : " عَجَّتِ المَطَارِفُ " مجازٌ ؛ لأن الثياب لا تعجُّ ، ثم رَشحَتْهُ بقوله عَجِيجاً ، وقال ثَعْلَبٌ : لولا التأكيد بالمصدر ، لجاز أن يكونَ كما تقول : " كَلَّمْتُ لك فُلاناً " ، أي : أرسلْتُ إليه ، أو كتبتُ له رُقْعةً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.