التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

قوله تعالى : ( ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ) رسلا مفعول به لفعل محذوف تقديره أرسلنا ، والقصص معناه الحديث ، فقد قص الله على نبيه أخبار الرسل من قبل ، أي من قبل الهجرة من مكة . وثمة رسل آخرون لم يحدث الله نبيه عنهم .

على أن النبيين والمرسلين كثيرون لا يعلم عددهم إلا الله ، والمرسلون أخص منهم فهم أقل ، وقد ورد في ذلك روايات وأقوال شتى تتعلق بأعداد النبيين والمرسلين لكنها روايات وأقوال قابلة للنقد والتجريح وهي لا يطمئن لثبوتها وصدقها الباحث المتحقق ، فنؤثر مع ذلك ألا نركن إليها في مثل هذا المجال . لكن المرسلين الذين ذكرت أسماؤهم في القرآن أربعة وعشرون رسولا ، واختلفوا في ذا الكفل إن كان رسولا أو غيره ، والراجح أنه رسول . والأربعة والعشرون هم على النحو التالي : آدم وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب وموسى وهارون ويونس وداود وسليمان وإلياس واليسع وزكريا ويحيى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام .

والملاحظ أن عددا عظيما من المرسلين هم من بني إسرائيل بدءا بأبيهم يعقوب وانتهاء بعيسى المسيح عليهم صلاة الله وسلامه . أما العرب فلم يبعث من بينهم إلا أربعة من المرسلين وهم : هود وصالح وشعيب ومحمد عليهم الصلاة والسلام . وقد أورد مثل هذا أبو ذر الغفاري فيما يرويه عن النبي ( ص ) .

قوله : ( وكلم الله موسى تكليما ) تكليما مفعول مطلق منصوب ، وهو دليل تأكيد الكلام من الله لنبيه موسى عليه السلام ؛ كيلا يظن متأول أو واهم بأن الكلام لم يكن من الله على الحقيقة بل على المجاز . والمعلوم أن الفعل إذا عقبه ما يؤكده فقد أفاد أنه بعيد عن المجاز ؛ لأن المجاز مع تأكيد الفعل غير محتمل . وقد أفاد هذا النص القرآني عن عظيم المنزلة التي أنزلها الله نبيه موسى بما يكشف عن مرتبة عظيمة كريمة يحتلها موسى الكليم من بين رسل الله الطاهرين الأبرار ، أو من بين الصفوة أولي العزم من الرسل الذين يجتازون إلى السنام من طليعة البشر المؤمن المفضل . نقول ذلك في غير ما تعصب لجنس أو عرق أو قوم أو غير ذلك مما اعتاد الناس وأصحاب الملل والديانات أن يتعصبوا من أجله . وشأن المسلم وهو يكتب أو يتحدث في مسألة أو قضية أن يصدق مع الله ليكون صادقا مع نفسه والآخرين . إن شاء المسلم في ذلك ألا يجانب الصواب وألا يحابي تحت ضاغط من تعصب لجنس أو عرق أو قوم أو ملة مثلما يفعل المتعصبون والموتورون والدجاجلة من الصليبين واليهود وعبدة الأوثان .

أما التكليم من الله فلا ندري كيف يكون ولا ينسب إلى الله بعد ذلك تشبيه فإنه ( ليس كمثله شيء ) وكل الذي نستطيع أن نتصوره في تصديق ويقين أن الله جلت قدرته قد خاطب نبيه مباشرة على نحو من التكليم الإلهي والطريقة الإلهية .