البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

{ ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل } أي ذكرنا أخبارهم لك .

{ ورسلاً لم نقصصهم عليك } روي من حديث أبي ذر : أنه سئل عن المرسلين ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كان المرسلون ثلثمائة وثلاثة عشر » قال القرطبي : هذا أصح ما روي في ذلك ، خرجه الآجريّ وأبو حاتم البستي في مسند صحيح له .

وفي حديث أبي ذر هذا : أنه سأله كم كان الأنبياء ؟ فقال : « مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي » وروي عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على أثر ثمانية آلاف من الأنبياء منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل وروي عن كعب الأحبار أنه قال : الأنبياء ألف ألف وأربعمائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً .

وقال ابن عطية : ما يذكر من عدد الأنبياء غير صحيح ، والله أعلم بعدتهم انتهى .

وانتصاب ورسلاً على إضمار فعل أي : قد قصصنا رسلاً عليك ، فهو من باب الاشتغال .

والجملة من قوله : قد قصصناهم ، مفسرة لذلك الفعل المحذوف ، ويدل على هذا قراءة أبي ورسلُ بالرفع في الموضعين على الابتداء .

وجاز الابتداء بالنكرة هنا ، لأنه موضع تفصيل كما أنشدوا : فثوب لبست وثوب أجر .

وقال امرؤ القيس :

بشق وشق عندنا لم يحوّل *** ومن حجج النصب على الرفع كون العطف على جملة فعلية وهي : وآتينا داود زبوراً .

وقال ابن عطية : الرفع على تقدير وهم : رسل ، فعلى قوله يكون قد قصصناهم جملة في موضع الصفة .

وجوّزوا أيضاً نصب ورسلاً من وجهين : أحدهما : أن يكون نصباً على المعنى ، لأن المعنى : إنا أرسلناك وأرسلنا رسلاً ، لأن الرد على اليهود إنما هو في إنكارهم إرسال الرسل واطراد الوحي .

{ وكلم الله موسى تكليماً } هذا إخبار بأن الله شرف موسى بكلامه ، وأكد بالمصدر دلالة على وقوع الفعل على حقيقته لا على مجازه ، هذا هو الغالب .

وقد جاء التأكيد بالمصدر في المجاز ، إلا أنه قليل .

فمن ذلك قول هند بنت النعمان بن بشير الأنصاري :

بكى الخز من عوف وأنكر جلده *** وعجت عجيجاً من جذام المطارف

وقال ثعلب : لولا التأكيد بالمصدر لجاز أن تقول : قد كلمت لك فلاناً بمعنى كتبت إليه رقعة وبعثت إليه رسولاً ، فلما قال : تكليماً لم يكن إلا كلاماً مسموعاً من الله تعالى .

ومسألة الكلام مما طال فيه الكلام واختلف فيها علماء الإسلام ، وبهذه المسألة سمي علم أصول الدين بعلم الكلام ، وهي مسألة يبحث عنها في أصول الدين .

وقرأ ابراهيم بن وثاب : وكلم الله بالنصب على أن موسى هو المكلم .

ومن بدع التفاسير أنه من الكلم ، وأنّ معناه : وجرح الله موسى بأظفار المحن ومخالب الفتن .

وقال كعب : كلم الله موسى بالألسنة كلها ، فجعل موسى يقول : رب لا أفهم ، حتى كلمه بلسان موسى آخر الألسنة .

/خ176