تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

الآية 164 وقوله تعالى : { ورسلا قصصناها عليك من قبل /120-أ/ ورسلا لم نقصصهم عليك } ذكر في بعض القصة أن اليهود قالوا : ما بال موسى لم يذكر في من ذكر من الأنبياء ؟ فأنزل الله عز وجل : { ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل } هؤلاء بمكة في الأنعام {[6804]} وفي غريها{[6805]} لأنه قيل : إن هذه السورة مدنية .

ثم في قوله تعالى : { ورسلا لم نقصصهم عليك } دلائل من وجوه :

أحدها : أن معرفة الرسل بأجمعهم واحدا بعد واحد ليس من شرط الإيمان بعد أن يؤمن بهم جميعا لأنه أخبر عز وجل أن من الرسل من{ لم نقصصهم عليك } ولو كانت{[6806]} معرفتهم من شرط الإيمان لقصهم عليه جميعا ، لا يحتمل ترك ذلك . دل أنه ليس ذلك من شرط الإيمان والله أعلم .

والثاني : أن الإيمان ليس هو المعرفة ، ولكنه التصديق لأنه لم يؤخذ عليه معرفة الرسل ( وقد أخبر ){[6807]} بتصدقيهم والإيمان بهم جملة .

وقوله عز وجل : { وكلم الله موسى تكليما } اختلف فيه : قال بعضهم : خلق الله كلاما وصوتا ، وألقى ذلك في مسامعه . وقال آخرون : كتب له كتابا ، فكلمه بذلك ، فذلك معنى قوله : { وكلم الله موسى تكليما } لا أن كلمه بكلامه . ولا ندري كيف كان سوى أنا نعلم أحدث صوتا لم يكن ، فأسمع موسى ذلك كيف شاء ، وما يشاء ممن شاء لأن كلامه الذي هو موصوف به في الأزل ولا يوصف بالحروف ولا بالهجاء ولا بالصوت ولا بشيء مما يوصف به كلام الخلق بحال . وما يقال هذا كلام الله ، إنما يقال على الموافقة والمجاز كقوله تعالى : { حتى يسمع كلام الله } ( التوبة : 6 ) ولا سبيل له أن يسمع كلام الله الذي هو موصوف به بالأزل ، ولكنه على الموافقة والمجاز يقال بذلك .

وقوله تعالى : { وكلم الله موسى تكليما } يخرج هذا ، والله أعلم ، مخرج التخصيص له ، إذ ما من رسول إلا وقد كان له خصوصية . ولموسى {[6808]} عليه السلام إذ كلمه من غير أن كان ثمة سفير أو رسول ، وكان لسائر الرسل وحي يوحي إليهم ، أي دليل لرسل ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وكلم الله موسى تكليما } دل المصدر على تحقيق الكلام ؛ إذ المصادر مما تؤكد حقائق ما له المصادر في موضع اللغة . وأيد ذلك الأمر المشهور من تسمية موسى : كليم الله ، وما جرى على ألسن الخلق من القول بأن الله كلم موسى ، فثبت أنه كان له في ما كلمه خصوصية ، لم يشركه فيها{[6809]} غيره من الرسل . وعلى حق الوعي وإنزال الكتب له شريك{[6810]} في ذلك من الرسل . فثبت أن لما وصف به موسى خصوصية ( وخصوصية ){[6811]} كثير من الرسل بأسماء أو نعوت أوجبت لهم الفضيلة بها ، وإن كان حمل ما يحتمل تلك الخصوصية ، قد تتوجه إلى ما قد يشترك في ذلك جملة الرسل : فعلى ذلك أمر تكليم{[6812]} موسى عليه السلام .


[6804]:المقصود قوله تعالى:{يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آيتي}(الآية:130).
[6805]:المقصود قوله تعالى:{يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي...}(الأعراف: 35).
[6806]:في الأصل وم: كان
[6807]:في الأصل وم: وأخذ.
[6808]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[6809]:في الأصل وم: فيه.
[6810]:أدرج بعدها في الأصل وم: فيه.
[6811]:ساقطة من الأصل وم.
[6812]:من م، في الأصل:تكليف.