فلما سمع ذلك يوسف قال :{ ذلك } ، أي : ذلك الذي فعلت من ردي رسول الملك إليه ، { ليعلم } ، العزيز ، { أني لم أخنه } ، في زوجته ، { بالغيب } ، أي : في حال غيبته ، { وأن الله لا يهدي كيد الخائنين } ، قوله { ذلك ليعلم } من كلام يوسف اتصل بقول امرأة العزيز : { أنا راودته عن نفسه } ، من غير تميز ، لمعرفة السامعين . وقيل : فيه تقديم وتأخير : معناه : ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم ، ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب . قيل : لما قال يوسف هذه المقالة ، قال له جبريل : ولا حين هممت بها ؟ فقال يوسف عند ذلك : { وما أبرئ نفسي } . قال السدي : إنما قالت له امرأة العزيز : ولا حين حللت سراويلك يا يوسف ؟ فقال يوسف : { وما أبرئ نفسي } .
{ ذَلِكَ } الإقرار ، الذي أقررت [ أني راودت يوسف ] { لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ }
يحتمل أن مرادها بذلك زوجها أي : ليعلم أني حين أقررت أني راودت يوسف ، أني لم أخنه بالغيب ، أي : لم يجر منِّي إلا مجرد المراودة ، ولم أفسد عليه فراشه ، ويحتمل أن المراد بذلك ليعلم يوسف حين أقررت أني أنا الذي راودته ، وأنه صادق أني لم أخنه في حال غيبته عني . { وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ } فإن كل خائن ، لا بد أن تعود خيانته ومكره على نفسه ، ولا بد أن يتبين أمره .
ثم وصلت امرأة العزيز حديثها فقال : { ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين } .
أى : ذلك الذي قلته واعترفت به على نفسى من أنى راودته عن نفسه ، إنما قلته ليلعم يوسف أنى لم أخنه في غيبته ، ولم أقل فيه شيئاً يسؤوه بعد أن فارقنى ، ولبث بعيدا عنى في السجن بضع سنين ، وإنما أنا أقرر أمام الملك وحاشيته بأنه من الصادقين . . .
وإنما قررت ذلك لأن الله - تعالى - لا يهدى كيد الخائنين ، أى : لا ينفذ كيدهم ولا يسدده ، بل يفضحه ويزهقه ولو بعد حين من الزمان .
لذا فأنا التزمت الأمانة في الحديث عنه ، وابتعدت عن الخيانة ، لأن الله - تعالى - لا يرضاها ولا يقبلها .
فأنت ترى أن هذه المرأة التي شهدت على نفسها شهادة لا تبالى بما يترتب عليها بشأنها ، قد عللت شهادتها هذه بعلتين :
إحداهما : كراهتها أن تخونه في غيبته بعد أن فقد الدفاع عن نفسه وهو في السجن
وثانيتهما : علمها بأن الله - تعالى - لا يهدى كيد الخائنين ولا يسدده ، وإنما يبطله ويزهقه . . .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ } .
يعني بقوله : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخْنْهُ بالغَيْبِ هذا الفعل الذي فعلته من ردّي رسول الملك إليه ، وتركي إجابته والخروج إليه ، ومسألتي إياه أن يسأل النّسْوَة اللاتي قطّعْنَ أيْدِيَهُن ، عن شأنهنّ إذ قطعن أيديهن ، إنما فعلته ليعلم أني لم أخنه في زوجته بالغيب : يقول : لم أركب منها فاحشة في حال غيبته عني . وإذا لم يركب ذلك بمغيبه ، فهو في حال مشهده إياه أحرى أن يكون بعيدا عن ركوبه . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : يقول يوسف : ذلكَ لِيَعْلَمَ إطفير سيده ، أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ أني لم أكن لأخالفه إلى أهله من حيث لا يعلمه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ يوسف يقوله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ذَلكَ ليَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ يوسف يقوله : لم أخن سيدي .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال يوسف يقوله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال : هذا قول يوسف .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح ، في قوله : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخنْهُ بالغَيْبِ هو يوسف يقول : لم أخن الملك بالغيب .
وقوله : وأنّ اللّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الخائِنِينَ يقول : فعلت ذلك ليعلم سيدي أني لم أخنه بالغيب ، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين : يقول : وأن الله لا يسدّد صنيع من خان الأمانات ، ولا يرشد فعالهم في خيانتهموها . واتصل قوله : ذلكَ ليَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ بقول امرأة العزيز : أنا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإنّهَ لمِنَ الصّادِقِينَ المعرفة السامعين لمعناه ، كاتصال قول الله تعالى : وكذلكَ يَفْعَلُونَ بقول المرأة : وجعلوا أعزّةَ أهْلِها أذِلّة ، وذلك أن قوله : وكذلكَ يَفْعَلُونَ خبر مبتدإ ، وكذلك قول فرعون لأصحابه في سورة الأعراف : فَمَاذَا تَأْمُرُونِ وهو متصل بقول الملأ : يُرِيدُ أن يُخْرَجَكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ . والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.