الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي كَيۡدَ ٱلۡخَآئِنِينَ} (52)

قوله تعالى : " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب " اختلف فيمن قاله ، فقيل : هو من قول امرأة العزيز ، وهو متصل بقولها : " الآن حصحص الحق " أي أقررت بالصدق ليعلم أني لم أخنه بالغيب{[9159]} أي بالكذب عليه ، ولم أذكره بسوء وهو غائب ، بل صدقت وحدت{[9160]} عن الخيانة ، ثم قالت : " وما أبرئ نفسي " بل أنا راودته ، وعلى هذا هي كانت مقرة بالصانع ، ولهذا قالت : " إن ربي غفور رحيم " . وقيل : هو من قول يوسف ، أي قال يوسف : ذلك الأمر الذي فعلته ، من رد الرسول " ليعلم " العزيز " أني لم أخنه بالغيب " قاله الحسن وقتادة وغيرهما . ومعنى " بالغيب " وهو غائب . وإنما قال يوسف ذلك بحضرة الملك ، وقال : " ليعلم " على الغائب توقيرا للملك . وقيل : قاله إذ عاد إليه الرسول وهو في السجن بعد ، قال ابن عباس : جاء الرسول إلى يوسف عليه السلام بالخبر وجبريل معه يحدثه ، فقال يوسف : " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين " أي لم أخن سيدي بالغيب ؛ فقال له جبريل عليه السلام : يا يوسف ! ولا حين حللت الإزار ، وجلست مجلس الرجل من المرأة ؟ ! فقال يوسف : " وما أبرئ نفسي " الآية . وقال السدي : إنما قالت له امرأة العزيز ولا حين حللت سراويلك يا يوسف ؟ ! فقال يوسف : " وما أبرئ نفسي " . وقيل : " ذلك ليعلم " من قول العزيز ؛ أي ذلك ليعلم يوسف أني لم أخنه بالغيب ، وأني لم أغفل عن مجازاته على أمانته . " وأن الله لا يهدي كيد الخائنين " معناه : أن الله لا يهدي الخائنين بكيدهم .


[9159]:من ع.
[9160]:في ع: خرجت.