فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي كَيۡدَ ٱلۡخَآئِنِينَ} (52)

قوله : { ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب } : ذهب أكثر المفسرين إلى أن هذا من كلام يوسف عليه السلام . قال الفراء : ولا يبعد وصل كلام إنسان بكلام إنسان آخر ، إذا دلت القرينة الصارفة إلى كل منهما إلى ما يليق به ، والإشارة إلى الحادثة الواقعة منه ، وهي تثبته وتأنيه ، أي : فعلت ذلك ليعلم العزيز أني لم أخنه في أهله بالغيب ، والمعنى : بظهر الغيب ، والجار والمجرور في محل نصب على الحال أي : وهو غائب عني ، أو وأنا غائب عنه ، قيل : إنه قال ذلك وهو في السجن بعد أن أخبره الرسول بما قالته النسوة ، وما قالته امرأة العزيز ؛ وقيل : إنه قال ذلك وقد صار عند الملك ، والأوّل أولى . وذهب الأقلون من المفسرين إلى أن هذا من كلام امرأة العزيز ؛ والمعنى : ذلك القول الذي قلته في تنزيهه ، والإقرار على نفسي بالمراودة ليعلم يوسف أني لم أخنه ، فأنسب إليه ما لم يكن منه ، وهو غائب عني ، أو وأنا غائبة عنه ، { وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِى كَيْدَ الخائنين } أي : لا يثبته ويسدّده ، أو لا يهديهم في كيدهم حتى يوقعوه على وجه يكون له تأثير يثبت به ويدوم ، وإذا كان من قول يوسف ففيه تعريض بامرأة العزيز حيث وقع منها الكيد له والخيانة لزوجها ، وتعريض بالعزيز حيث ساعدها على حبسه بعد أن علم براءته ونزاهته .

/خ57