ولما رجع الرسول إلى يوسف عليه السلام وأخبره بشهادتهنّ ببراءته قال : { ذلك } ، أي : الخلق العظيم في تثبتي في السجن إلى أن تبين الحق { ليعلم } العزيز بإقرارها وهي في الأمن وأنا في محل الضيق والخوف علماً مؤكداً { أني لم أخنه } ، أي : في أهله ولا في غيرها { بالغيب } ، أي : والحال أنّ كلاً منا غائب عن صاحبه هذا قول الأكثرين أنه قول يوسف عليه السلام ، قال الفراء : ولا يبعد وصل كلام إنسان بكلام آخر إذا دلت القرينة عليه ومثاله قوله تعالى : { إنّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة } [ النمل ، 34 ] هذا كلام بلقيس ، ثم قال الله تعالى : { وكذلك يفعلون } [ النمل ، 34 ] وقوله تعالى : { ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه } [ آل عمران ، 9 ] كلام الداعي ثم قال الله تعالى : { إنّ الله لا يخلف الميعاد } ثم ختم الكلام بقوله : { وأنّ الله لا يهدي } ، أي : يسدّد وينجح بوجه من الوجوه { كيد الخائنين } ، أي : ولو كنت خائناً لما خلصني الله من هذه الورطة العظيمة ، وحيث خلصني منها ظهر أني بريء عما نسبوني إليه .
وقيل : إنه كلام امرأة العزيز ، والمعنى : أني وإن كنت أحلت عليه الذنب في حضوره لكني ما أحلت الذنب عليه في غيبته ، أي : لم تقل فيه وهو في السجن خلاف الحق ، ثم إنها بالغت في تأكيد هذا القول وقالت : { وأنّ الله لا يهدي كيد الخائنين } يعني إني لما أقدمت على الكيد والمكر لا جرم افتضحت ، وإنه لما كان بريئاً من الذنب لا جرم طهره الله تعالى منه . واعلم أنّ هذه الآية على القول الأوّل دالة على طهارة يوسف عليه السلام من وجوه كثير :
الأوّل : قولها : { أنا راودته عن نفسه } .
والثاني : قولها : { وإنه لمن الصادقين } وهو إشارة إلى أنه صادق في قوله : { هي راودتني عن نفسي } [ يوسف ، 26 ] .
والثالث : قول يوسف عليه السلام : { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب } والحشوية يذكرون أنه لما قال يوسف هذا الكلام قال له جبريل عليه السلام : ولا حين هممت . قال الرازي : وهذا من رواياتهم الخبيثة وما صحت هذه الرواية في كتاب معتمد ، أي : وإنما أسندها بعضهم لابن عباس بل هم يلحقونها بهذا الموضع سعياً منهم في تحريف ظاهر القرآن .
ورابعها : أنّ إقدامه على قوله { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب } مع أنه خانه بأعظم وجوه الخيانة إقدام على وقاحة عظيمة وعلى كذب عظيم من غير أن يتعلق به مصلحة بوجه ما ، والإقدام على مثل هذه الوقاحة من غير فائدة أصلاً لا يليق بأحد من العقلاء ، فكيف يليق إسناده إلى نبي مرسل من سلالة الأنبياء الأصفياء ؟ فثبت أنّ هذه الآية تدل دلالة قاطعة على براءته مما يقول الجهال والحشوية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.