المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{ذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي كَيۡدَ ٱلۡخَآئِنِينَ} (52)

ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ( 52 ) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 53 )

قالت جماعة من أهل التأويل : هذه المقالة هي من يوسف عليه السلام ، وذلك : { ليعلم } العزيز سيدي { أني لم أخنه } في أهله وهو غائب ، وليعلم أيضاً أن الله تعالى { لا يهدي } كيد خائن ولا يرشد سعيه .

قال القاضي أبو محمد : والهدى للكيد مستعار ، بمعنى لا يكلمه ولا يمضيه على طريق إصابة ، ورب كيد مهدي إذا كان من تقي في مصلحة .

واختلفت هذه الجماعة فقال ابن جريج : هذه المقالة من يوسف هي متصلة بقوله للرسول : { إن ربي بكيدهن عليم } [ يوسف : 50 ] ، وفي الكلام تقديم وتأخير ، فالإشارة بقوله : { ذلك } - على هذا التأويل - هي إلى بقائه في السجن والتماسه البراءة أي هذا ليعلم سيدي أني لم أخنه .

وقال بعضهم : إنما قال يوسف هذه المقالة حين قالت امرأة العزيز كلامها ، إلى قولها : { وإنه لمن الصادقين } [ يوسف : 51 ] فالإشارة - على هذا - إلى إقرارها ، وصنع الله تعالى فيه ، وهذا يضعف ، لأنه يقتضي حضوره مع النسوة عند الملك ، وبعد هذا يقول الملك : { ائتوني به } [ يوسف : 54 ] .

وقالت فرقة من أهل التأويل : هذه الآية من قول امرأة العزيز ، وكلامها متصل ، أي قولي هذا وإقراري ليعلم يوسف أني لم أخنه في غيبته بأن أكذب عليه أو أرميه بذنب هو بريء منه ؛ والتقدير - على هذا التأويل توبتي وإقراري ليعلم أني لم أخنه وأن الله لا يهدي . .

وعلى أن الكلام من يوسف يجيء التقدير : وليعلم أن الله لا يهدي كيد الخائنين .