معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥۚ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (39)

قوله تعالى : { قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } يعني : يعطى خلفه ، قال سعيد بن جبير : ما كان في غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه . وقال الكلبي : ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم في الخير من نفقة فهو يخلفه على المنفق ، إما أن يعجله في الدنيا وإما أن يدخره له في الآخرة . { وهو خير الرازقين } خير من يعطي ويرزق . وروينا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى أنفق يا ابن آدم أنفق عليك " . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إسماعيل ، حدثنا أبي ، عن سليمان هو ابن بلال ، عن معاوية بن أبي مزرد ، عن أبي الحبحاب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أنبأنا حميد بن زنجويه ، أنبأنا ابن أبي أويس ، أنبأنا عبد العزيز بن محمد ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، أنبأنا أبو جعفر الرياني ، أنبأنا حميد بن زنجويه ، أنبأنا أبو الربيع ، أنبأنا عبد الحميد بن الحسن الهلالي ، أنبأنا محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل معروف صدقة وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة ، وما وقى الرجل به عرضه كتب له به صدقة " .

قلت : ما يعني " ما وقى الرجل عرضه " قال : ما أعطى الشاعر وذا اللسان للتقى ، وما أنفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها ضامناً إلا ما كان من نفقة في بنيان أو في معصية الله عز وجل . قوله : قلت ما يعني يقول عبد الحميد لمحمد بن المنكدر . قال مجاهد : إذا كان في يد أحدكم شيء فليقتصد ، ولا يتأول هذه الآية : { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } فإن الرزق مقسوم لعل رزقه قليل ، وهو ينفق نفقة الموسع عليه . ومعنى الآية : وما كان من خلف فهو منه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥۚ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (39)

ثم أعاد تعالى أنه { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } ليرتب عليه قوله : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ } نفقة واجبة ، أو مستحبة ، على قريب ، أو جار ، أو مسكين ، أو يتيم ، أو غير ذلك ، { فَهُوَ } تعالى { يُخْلِفُهُ } فلا تتوهموا أن الإنفاق مما ينقص الرزق ، بل وعد بالخلف للمنفق ، الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر { وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } فاطلبوا الرزق منه ، واسعوا في الأسباب التي أمركم بها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥۚ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (39)

وقوله - سبحانه - : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } تأكيد وتقرير لتلك الحقيقة التى سبق الحديث عنها ، وهى أن التوسع والتضييق فى الرزق بيد الله - تعالى - وحده .

والضمير فى قوله - تعالى - { لَهُ } يعود إلى الشخص الموسع عليه أو المضيق عليه فى رزقه . أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المترفين على سبيل التأكيد وإزالة ما هم عليه من جهل : إن ربى - عز وجل - يبسط الرزق لمن يشاء من عابده ، ويضيق هذا الرزق على ما يشاء أن يضيقه منهم ، وليس فى ذلك ما يدل على السعادة أو الشقاوة ، لأن هذه الأمور خاضعة لحكمته فى خلقه - سبحانه - .

{ وَمَآ أَنفَقْتُمْ } أيها المؤمنون { مِّن شَيْءٍ } فى سبيل الله - تعالى - وفى أوجه طاعته { فَهُوَ } - سبحانه - { يُخْلِفُهُ } أى : يعوضه لكم بما هو خير منه . يقال : فلان أخلق لفلان وأخلف عليه ، إذا أعطاه العوض والبدل .

{ وَهُوَ خَيْرُ الرازقين } أى : وهو - سبحانه - خير رازق لعباده لأن كل رزق يصل إلى الناس إنما هو بتقديره وإرادته ، وقد جرت سنته - سبحانه - أن يزيد الأسخياء من فضله وكرمه .

وفى الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم يصبح العباد فيه ، إلا ملكان ينزلان ، فيقول احدهما : اللهم اعظ منفقا خلفا ويقول الآخر : اللهم أعظ ممسكا تلفا " .

وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت جانبا من شبهات المشركين ، ومن أقوالهم الباطلة ، وردت عليهم بما يزهق باطلهم ، ويمحو شبهاتهم ، لكى يزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥۚ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (39)

28

ثم يكرر قاعدة أن بسط الرزق وقبضه أمر آخر يريده الله لحكمة منفصلة ؛ وأن ما ينفق منه في سبيل الله هو الذخر الباقي الذي يفيد ، لتقر هذه الحقيقة واضحة في القلوب :

( قل : إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له . وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥۚ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (39)

قُلْ إنّ رَبّي يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ

يقول تعالى ذكره : قل يا محمد إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من خَلْقه ، فيوسعه عليه تكرمة له وغير تكرمة ، ويَقْدِر على من يشاء منهم فيضيقه ويقتره إهانة له وغير إهانة ، بل مِحنة واختبارا وَما أنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ يقول : وما أنفقتم أيها الناس من نفقة في طاعة الله ، فإن الله يخلفها عليكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جُبَير وَما أنْفَقْتُمْ منْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ قال : ما كان في غير إسراف ولا تقتير .

وقوله : وَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ يقول : وهو خير من قيل إنه يَرْزُق ووُصِف به ، وذلك أنه قد يوصف بذلك من دونه ، فيقال : فلان يَرزُق أهله وعياله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥۚ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (39)

ثم وعد بالخلف في ذلك وهو بشرط الاقتصاد والنية في الطاعة ودفع المضرات وعد منجز إما في الدنيا وإما في الآخرة ، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «قال الله لي أنفق أُنفق عليك »{[9667]} وفي البخاري أن ملكاً ينادي كل يوم اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول ملك آخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً{[9668]} ، وقال مجاهد المعنى إن كان خلف فهو موليه وميسره ، وقد لا يكون الخلف ، وأما قوله { خير الرازقين } فمن حيث يقال في الإنسان إنه يرزق عياله ، والأمير جنده ، لكن ذلك من مال يملك عليهم والله تعالى من خزائن لا تفنى{[9669]} ومن إخراج من عدم إلى وجود ، وقرأ الأعمش «ويُقدّر » بضم الياء وشد الدال .


[9667]:أخرج البخاري، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( قال الله عز وجل: أنفق يابن آدم أُنفق عليك).(الدر المنثور).
[9668]:أخرجه البخاري،ومسلم في الزكاة، وأخرجه أحمد في سنده(5-197)، ولفظه كما في مسند الإمام أحمد، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يناديان، يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: يا أيها الناس، هلموا إلى ربكم، فإن ما قل كفى خير مما كثر وألهى، ولا آبت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يناديان، يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: اللهم أعط منفقا خلفا، وأعط ممسكا مالا تلفا).
[9669]:يعني: يرزق من خزائن لا تفنى...الخ.