معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ} (39)

فقال { أن اقذفيه في التابوت } يعني : ألهمناها أن اجعليه في التابوت فاقذفيه في اليم { فاقذفيه في اليم } يعني : نهر النيل { فليلقه اليم بالساحل } يعني : شاطئ النهر لفظه أمر ، ومعناه خبر ، ومجازه حتى يلقيه اليم بالساحل { يأخذه عدو لي وعدو له } يعني : فرعون . فاتخذت تابوتاً وجعلت فيه قطناً محلوجاً ووضعت فيه موسى وقيرت رأسه وخصاصه يعني : شقوقه ، ثم ألقته في النيل وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون ، فبينما فرعون جالس على رأس البركة مع امرأته آسية إذا تابوت يجيء به الماء ، فأمر الغلمان والجواري بإخراجه ، فأخرجوه ، وفتحوا رأسه ، فإذا صبي من أصبح الناس وجهاً ، فلما رآه فرعون أحبه بحيث لم يتمالك فذلك قوله تعالى : { وألقيت عليك محبةً مني } قال ابن عباس : أحبه وحببه إلى خلقه . قال عكرمة : ما رآه أحد إلا أحبه . قال قتادة : ملاحة كانت في عيني موسى ما رآه أحد إلا عشقه { ولتصنع على عيني } يعني : لتربى بمرآى ومنظر مني ، قرأ أبو جعفر : ولتصنع بالجزم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ} (39)

ثم قذفته في اليم ، أي : شط نيل مصر ، فأمر الله اليم ، أن يلقيه في الساحل ، وقيض أن يأخذه ، أعدى الأعداء لله ولموسى ، ويتربى في أولاده ، ويكون قرة عين لمن رآه ، ولهذا قال : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي } فكل من رآه أحبه { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } ولتتربى على نظري وفي حفظي وكلاءتي ، وأي نظر وكفالة أجلّ وأكمل ، من ولاية البر الرحيم ، القادر على إيصال مصالح عبده ، ودفع المضار عنه ؟ ! فلا ينتقل من حالة إلى حالة ، إلا والله تعالى هو الذي دبّر ذلك لمصلحة موسى ، ومن حسن تدبيره ، أن موسى لما وقع في يد عدوه ، قلقت أمه قلقا شديدا ، وأصبح فؤادها فارغا ، وكادت تخبر به ، لولا أن الله ثبتها وربط على قلبها ، ففي هذه الحالة ، حرم الله على موسى المراضع ، فلا يقبل ثدي امرأة قط ، ليكون مآله إلى أمه فترضعه ، ويكون عندها ، مطمئنة ساكنة ، قريرة العين ، فجعلوا يعرضون عليه المراضع ، فلا يقبل ثديا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ} (39)

ثم وضح - سبحانه - ما أوحاه إلى أم موسى فقال : { أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ . . . } .

و { أَنِ } فى قوله { أَنِ اقذفيه } مفسرة ، لأن الإيحاء فيه معنى القول دون حروفه .

والمراد بالقذف هنا : الوضع ، والمراد به فى قوله { فاقذفيه فِي اليم } الإلقاء فى البحر وهو نيل مصر .

والتابوت : الصندوق الذى يوضع فيه الشىء .

والمعنى : لقد كان من رعايتنا لك يا موسى أن أوحينا إلى أمك عندما خافت عليك القتل : أن ضعى ابنك فى التابوت ، ثم بعد ذلك اقذفيه بالتابوت فى البحر ، وبأمرنا وقدرتنا يلقى اليم بالتابوت على شاطىء البحر وساحله ، وفى هذه الحالة يأخذه عدو لى وعدو له ، وهو فرعون الذى طغى وقال لقومه أنا ربكم الأعلى .

والضمائر كلها تعود إلى موسى - عليه السلام - وقيل إن الضمير فى قوله { فاقذفيه فِي اليم } .

وفى قوله { فَلْيُلْقِهِ } يعود إلى التابوت ، والأول أرجح ، لأن تفريق الضمائر هنا لا داعى له ، بل الذى يقتضيه بلاغة القرآن الكريم ، عودة الضمائر إلى موسى - عليه السلام - .

قال بعض العلماء : وصيغة الأمر فى قوله { فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل } فيها وجهان معروفان عند العلماء :

أحدهما : أن صيغة الأمر معناها الخبر : قال أبو حيان فى البحر : وقوله { فَلْيُلْقِهِ } أمر معناه الخبر ، وجاء بصيغة الأمر مبالغة ، إذ الأمر أقطع الأفعال وأوجبها .

الثانى : أن صيغة الأمر فى قوله { فَلْيُلْقِهِ } أريد بها الأمر الكونى القدرى كقوله : { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } فالبحر لا بد أن يلقيه بالساحل ، لأن الله - تعالى - أمره بذلك كونا وقدرا . . .

وقوله { يَأْخُذْهُ } مجزوم فى جواب الطلب وهو قوله { فَلْيُلْقِهِ . . } إذ أنه على الوجه الأول يكون الطلب باعتبار لفظه وصيغته .

وقوله - سبحانه - { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } بيان للمنة الثانية .

قال الآلوسى : وكلمة " منى " متعلقة بمحذوف وقع صفة لمحذوف ، مؤكدة لما فى تتنكيرها من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية . أى : وألقيت عليك محبة عظيمة كائنة منى - لا من غيرى - قد زرعتها فى القلوب ، فكل من رآك أحبك .

ولقد كان من آثار هذه المحبة : عطف امرأة فرعون عليه ، وطلبها منه عدم قتله ، وطلبها منه كذلك أن يتخذه ولدا .

وكان من آثار هذه المحبة أن يعيش موسى فى صغره معززا مكرما فى بيت فرعون مع أنه فى المستقبل سيكون عدوا له .

وهكذا رعاية الله - تعالى - ومحبته لموسى جعلته يعيش بين قوة الشر والطغيان آمنا مطمئنا .

قال ابن عباس : أحب الله - تعالى - موسى ، وحببه إلى خلقه .

وقوله - تعالى - : { وَلِتُصْنَعَ على عيني } بيان للمنة الثالثة . .

أى : أوحيت إلى أمك بما أوحيت من أجل مصلحتك ومنفعتك وألقيت عليك محبة منى ، ليحبك الناس ، ولتصنع على عينى . أى : ولتربى وأنت محاط بالحنو والشفقة تحت رعايتى وعنايتى وعينى ، كما يراعى الإنسان بعينه من يحبه ويهتم بأمره .

وهذا ما حدث لموسى فعلا ، فقد عاش فى طفولته تحت عين فرعون ، وهو عدو الله - تعالى - ومع ذلك لم تستطع عين فرعون أن تمتد بسوء إلى موسى ، لأن عين الله - تعالى - كانت ترعاه وتحميه من بطش فرعون وشيعته .

فالجملة الكريمة فيها من الرفق بموسى - عليه السلام - ومن الرعاية له ، ما يعجز القلم عن وصفه .

وكيف يستطيع القلم وصف حال إنسان قال الله فى شأنه : { وَلِتُصْنَعَ على عيني } .

قال صاحب الكشاف : أى : ولتربى ويحسن إليك وأنا مراعيك ومراقبك كما يراعى الرجل الشىء بعينه إذا اعتنى به ، وتقول للصانع ؛ اصنع هذا على عينى إنى أنظر إليك لئلا تخالف به عن مرادى وبغيتى .

وقوله : { وَلِتُصْنَعَ } معطوف على علة مضمرة مثل : ليتعطف عليك . . . أو حذف معلله أى : ولتصنع على عينى فعلت ذلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ} (39)

ذلك الإلهام :

( أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل ) . .

حركات كلها عنف وكلها خشونة . . قذف في التابوت بالطفل . وقذف في اليم بالتابوت . وإلقاء للتابوت على الساحل . . ثم ماذا ? أين يذهب التابوت المقذوف فيه بالطفل المقذوف في اليم الملقى به على الساحل . من يتسلمه ? ( عدو لي وعدو له ) .

وفي زحمة هذه المخاوف كلها . وبعد تلك الصدمات كلها . ماذا ? ما الذي حدث للطفل الضعيف المجرد من كل قوة ? ما الذي جرى للتابوت الصغير المجرد من كل وقاية ?

( وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني ) ! ! !

يا للقدرة القادرة التي تجعل من المحبة الهينة اللينة درعا تتكسر عليها الضربات وتتحطم عليه الأمواج . وتعجز قوى الشر والطغيان كلها أن تمس حاملها بسوء ؛ ولو كان طفلا رضيعا لا يصول ولا يجول بل لا يملك أن يقول . .

إنها مقابلة عجيبة في تصوير المشهد . مقابلة بين القوى الجبارة الطاغية التي تتربص بالطفل الصغير ، والخشونة القاسية فيما يحيط به من ملابسات وظروف . . والرحمة اللينة اللطيفة تحرسه من المخاوف ، وتقيه من الشدائد وتلفه من الخشونة ، ممثلة في المحبة لا في صيال أو نزال : ( ولتصنع على عيني ) . . وما من شرح يمكن أن يضيف شيئا إلى ذلك الظل الرفيق اللطيف العميق الذي يلقيه التعبير القرآني العجيب : ( ولتصنع على عيني )وكيف يصف لسان بشري ، خلقا يصنع على عين الله ? إن قصارى أي بشري أن يتأمله ويتملاه . . إنها منزلة وإنها كرامة أن ينال إنسان لحظة من العناية . فكيف بمن يصنع صنعا على عين الله ? إنه بسبب من هذا أطاق موسى أن يتلقى ذلك العنصر العلوي الذي تلقاه .

ولتصنع على عيني . تحت عين فرعون - عدوك وعدوي - وفي متناول يده بلا حارس ولا مانع ولا مدافع . ولكن عينه لا تمتد إليك بالشر لأني ألقيت عليك محبة مني . ويده لا تنالك بالضر وأنت تصنع على عيني .