تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ} (39)

الآيات 37 و38 و39 : وقوله تعالى : { ولقد منّنَا عليك مرة أخرى } { إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى } { أن اقذفيه في التابوت } الآية . يشبه أن تكون المنة حين أنجاه في ما ابتلي بالبرد واشتباه الطريق حين{[12234]} قال : { إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون } [ القصص : 29 ] فتلك المنة الأخرى ، أو أن تكون المنة التي ذكر هي{[12235]} ما أنجاه الله [ حين قتل ] {[12236]} ذلك القِبطِيَّ ، فاشتد له ذلك الخوف حتى بلغ الإياس .

فتلك المنة التي ذكر . أو ما ذكر من الوحي إلى أمه { أن اقذفيه في التابوت } .

وقال بعضهم : { ولقد مننا عليك } مع النبوة { مرة أخرى } ثم بين النعمة حين{[12237]} قال : { إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى } إلى آخر ما ذكر . وإلى هذا ذهب أهل التأويل . وإلا قد كان منه إليه من المنن إليه ما لا يحصى ، والله أعلم .

ثم الكلام في ما ألهم أمه ، وألقى في روعها أن تقذفه في البحر أنه يسع لها{[12238]} أن تفعل ذلك ، ويحل ، أو لا ، إذ قد يجوز أن يكون من الشيطان مثل هذا نحو ما { وقال لا غالب لكم اليوم من الناس } الآية [ الأنفال : 48 ] فلم يعرفوا وقت ما كلمهم بهذا الشيطان أو غيره . فعلى ذلك يجوز أن يلقي الشيطان إليها . فكيف وسع لها أن تعمل ما عملت{[12239]} من الأخطار ؟ [ لولا أن ] {[12240]} يجوز أن يكون في ذلك الإلهام ، وما ألقى إليها آية ومعنى عرفت بذلك أن ذلك من الله لا من أحد سواه ، أو أن يكون الله رفع الحجاب والموانع من قبلها{[12241]} ، وصار لها ذلك كالعيان ، أو صارت كالمضطرة إلى ذلك ، فوسع لها ذلك لما ذكرنا . والله أعلم .

وقوله تعالى : { وألقيت عليك محبة مني } قال عامة أهل التأويل : ألقى عليه محبة في قلب امرأة فرعون حين{[12242]} قالت : { قرت عين لي ولك لا تقتلوه } الآية [ القصص : 9 ] ولكن ألقى عليه محبة في قلب امرأته وقلب فرعون أيضا حتى كان أشفق الناس عليه وأحبهم بعد ما كان يقتل الولدان بسببه ليجده ، ويظفر به ؛ يذكره عز وجل رحمته عليه ومنته له ، وهي{[12243]} المنة التي ذكر حين{[12244]} قال : { ولقد مننا عليك مرة أخرى } .

وقوله تعالى : { ولتصنع على عيني } والصنع هو فعل الخير والمعروف ، أي لنصنع إليك المعروف والإحسان .

وقوله تعالى : { على عيني } قال بعضهم : [ { على عيني } ]{[12245]} على حفظي ؛ يقال : عين الله عليك ، أي كن في حفظ الله ، وهو قول الحسن وقتادة . وقال بعضهم : لِتُرْبَى على عيني ، أي على علمي والأول أشبه .


[12234]:في الأصل وم: حتى.
[12235]:في الأصل وم: هو.
[12236]:في الأصل وم: حيث.
[12237]:في الأصل وم: ثم.
[12238]:في الأصل وم: لهذا.
[12239]:في الأصل وم: علمت.
[12240]:في الأصل وم: لكن.
[12241]:في الأصل وم: قبلها.
[12242]:في الأصل وم: حيث.
[12243]:في الأصل وم: وهو.
[12244]:في الأصل وم: حيث.
[12245]:في الأصل وم: لتعدى.