وأنْ في قوله تعالى : { أَنِ اقذفيه في التابوت } مفسِّرةٌ لأن الوحيَ من باب القول أو مصدريةٌ حُذف منها الباء ، أي بأن اقذفيه ومعنى القذْفِ هاهنا الوضعُ وأما في قوله تعالى : { فاقذفيه في اليم } فالإلقاءُ ، وهذا التفصيلُ هو المرادُ بقوله تعالى : { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ في اليم } لا القذفُ بلا تابوت { فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل } لما كان إلقاءُ البحرِ إياه بالساحل أمراً واجبَ الوقوع لتعلق الإرادةِ الربانية به جُعل البحرُ كأنه ذو تمييزٍ مطيعٍ أُمر بذلك وأُخرج الجوابُ مُخرجَ الأمر والضمائرُ كلُّها لموسى عليه الصلاة والسلام ، والمقذوفُ في البحر والمُلقى بالساحل وإن كان هو التابوتَ أصالةً لكنْ لما كان المقصودُ بالذات ما فيه جُعل التابوتُ تبعاً له في ذلك { يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لي وَعَدُوٌّ لَّهُ } جوابٌ للأمر بالإلقاء ، وتكريرُ العدو للمبالغة والتصريحِ بالأمر والإشعارِ بأن عداوتَه له مع تحققها لا تؤثر فيه ولا تضرُه ، بل تؤدي إلى المحبة فإن الأمرَ بما هو سبب للهلاك صورةً من قذفه في البحر ووقوعِه في يد عدو الله تعالى وعدوِّه مشعرٌ بأن هناك لُطفاً خفياً مندرجاً تحت قهرٍ صوريّ ، وقيل : الأولُ باعتبار الواقعِ والثاني باعتبار المتوقَّع وليس المرادُ بالساحل نفسَ الشاطئ بل ما يقابل الوسطَ وهو ما يلي الساحلَ من البحر بحيث يجري ماؤه إلى نهر فرعون ، لما روي أنها جَعلتْ في التابوت قُطناً ووضعتْه فيه ثم قيّرتْه{[537]} وألقتْه في اليم وكان يشرَع منه إلى بستان فرعون نهرٌ صغير فدفعه الماءُ إليه فأتى به إلى بِرْكة في البستان ، وكان فرعونُ جالساً ثمّةَ مع آسيةَ بنتِ مُزاحِم فأُمر به فأُخرج ففُتح فإذا هو صبيٌّ أصبحُ الناس وجهاً ، فأحبه عدوُّ الله حباً شديداً لا يكاد يتمالك الصبرَ عنه وذلك قوله تعالى : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مّنّي } كلمةُ مِنْ متعلقةٌ بمحذوف هو صفةٌ لمحبةً مؤكدةٌ لما في تنكيرها من الفخامة الذاتيةِ بالفخامة الإضافية ، أي محبةً عظيمة كائنةً مني قد زرعتُها في القلوب بحيث لا يكاد يصبِر عنك من رآك ولذلك أحبك عدوُّ الله وآلُه . وقيل : هي متعلقةٌ بألقيت أي أحببتُك ومن أحبه الله تعالى أحبته القلوبُ لا محالة وقوله تعالى : { وَلِتُصْنَعَ على عَيْنِي } متعلقٌ بألقيتُ معطوفٌ على علة له مُضمَرةٍ ، أي ليتعطّف عليك ولتربى بالحنوّ والشفقة بمراقبتي وحِفظي ، أو بمضمر مؤخّرٍ هو عبارةٌ عما قبله من إلقاء المحبةِ ، والجملةُ مبتدَأةٌ أي ولتصنع على عيني فعلتُ ذلك ، وقرئ ولِتُصْنعْ على صيغة الأمر بسكون اللام وكسرها وقرئ بفتح التاء والنصب أي وليكونَ عملُك على عين مني لئلا يخالَفَ به عن أمري .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.