الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ} (39)

ثم بين المرة الأخرى ما هي فقال : { إذا أوحينا إلى أمك } أي : إذا ألهمنا أمك .

وقيل{[45018]} : كانت رؤيا رأتها .

وقيل{[45019]} : بل{[45020]} أوحى إليها ما شاء .

وقال ابن إسحاق{[45021]} : لما ولدت أم موسى موسى{[45022]} صلى الله عليه وسلم ، أرضعته{[45023]} حتى إذا أمر فرعون بقتل من ولد سنته تلك ، عمدت إليه ، فصنعت به ما أمرها الله تبارك وتعالى .

روي{[45024]} أنها رؤيا رأتها ، ففعلت ما أمرت به في رؤياها . وكان فرعون يذبح ذكور أولاد بني إسرائيل لأجل{[45025]} أنه بلغه أنه سيكون زوال ملكه وهلاكه على يدي واحد من أولاد{[45026]} بني إسرائيل فخافت أم موسى من فرعون على ولدها . فأراها الله ما أمرها{[45027]} به في منامها ، فجعلته في تابوت صغير ، ومهدت له فيه ، ثم عمدت إلى النيل فقذفته فيه ، وهو اليم ، فأصبح فرعون في مجلس له كان يجلسه على شفير النيل كل غداة ، فبينما هو جالس ، إذ مر النيل بالتابوت فقذف به ، وآسية بنت مزاحم امرأته جالسة إلى جنبه . فقال : إن هذا لشيء [ عجيب ]{[45028]} في البحر ، فآتوني به ، فخرج إليه أعوانه حتى جاءوا{[45029]} به ففتح التابوت ، فإذا فيه صبي في مهد ، فألقى{[45030]} الله عز وجل عليه محبته فعطف عليه نفسه . فهو قوله : { أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل ياخذه عدو لي وعدو له } . يعني فرعون .

ثم قال تعالى : { وألقيت عليك محبة مني }[ 38 ] . أي : حببتك إلى عبادي .

وقال عكرمة معناه : إني حسنت خلقك ، أي : جعلت لك{[45031]} حسنا وملاحة{[45032]} .

وقيل{[45033]} معناه : حببتك إلى [ كل ]{[45034]} من رآك .

وقيل{[45035]} : إن الله جل ذكره جعل في موسى عليه السلام ملاحة ، فكان{[45036]} لا يراه أحد إلا أحبه واستحلاه ومال قلبه إليه .

وذكر ابن الإعرابي{[45037]} عن قتادة في قوله : { وألقيت عليك محبة مني } . قال : ملاحة في عينيك ، لا يراك أحد إلا أحبك{[45038]} .

وعن عكرمة أنه قال : حسن وملاحة .

وقيل معناه : جبلت القلوب على محبتك ، اختصاصا لك .

وقال مجاهد : مودة في قلوب المؤمنين .

ثم قال : { ولتصنع على عيني } أي : ولتغذى على عيني ، قاله قتادة{[45039]} .

وقال ابن زيد : معناه : إني جعلتك في بيت الملك{[45040]} تنعم وتترف غذاؤه عندهم غذاء الملك{[45041]} .

وقال ابن زيد . معناه : وأنت بعيني إذ جعلتك أمك في التابوت ثم في البحر ثم إذ تمشي أختك{[45042]} .

و( اللام ) في ( ولتصنع ) متعلقة{[45043]} ب( ألقيت ) أي : ألقى المحبة لتصنع .


[45018]:انظر: معنى هذه الأقوال في تفسير القرطبي 11/195.
[45019]:انظر: المصدر السابق.
[45020]:بل سقطت من ز.
[45021]:ع: إسحاق، والأصح ابن إسحاق كما في ز وجامع البيان 16/161 وهو محمد بن إسحاق بن يسار، الإمام الحافظ أبو بكر المطلبي المدني مصنف المغازي، رأى أنس بن مالك. انظر: ترجمته في تذكرة الحفاظ 1/172 وتهذيب التهذيب 9/38.
[45022]:موسى سقطت من ز.
[45023]:ز: أوصته.
[45024]:وهي تتمة للرواية السابقة. انظر: جامع البيان 16/161.
[45025]:ز: من أجل.
[45026]:من أولاد سقط من ز.
[45027]:ز: ما أرى (تحريف).
[45028]:زيادة من ز.
[45029]:(حتى جاءوا به) سقط من ز.
[45030]:ز: وألقى.
[45031]:ع: له. وأثبتنا ما في ز لملائمة السياق.
[45032]:انظر: جامع البيان 16/162.
[45033]:وهو قول ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن 79.
[45034]:زيادة من ز.
[45035]:انظر: تفسير القرطبي 11/196.
[45036]:ز: وكان.
[45037]:هو الإمام الحافظ الزاهد شيخ الحرم أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم البصري (ت 340 هـ). له ترجمة في المعارف 546 وتذكرة الحفاظ 3/852.
[45038]:انظر: تفسير القرطبي 11/196 والدر المنثور 4/296.
[45039]:انظر: جامع البيان 16/162 وزاد المسير 5/284 وتفسير القرطبي 11/198 وابن كثير 3/147 والدر المنثور 4/296.
[45040]:ز : الملوك.
[45041]:انظر: جامع البيان 16/162 وتفسير ابن كثير 3/148.
[45042]:انظر: القول لابن جريج في جامع البيان 16/162.
[45043]:ز: معلقة.