معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمۡعَكُمۡ وَأَبۡصَٰرَكُمۡ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِهِۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ ثُمَّ هُمۡ يَصۡدِفُونَ} (46)

قوله تعالى : { قل أرأيتم } . أيها المشركون .

قوله تعالى : { إن أخذ الله سمعكم } . حتى لا تسمعوا شيئا أصلاً .

قوله تعالى : { وأبصاركم } ، حتى لا تبصروا شيئاً أصلا .

قوله تعالى : { وختم على قلوبكم } ، حتى لا تفقهوا شيئاً ، ولا تعرفوا مما تعرفون من أمور الدنيا شيئا .

قوله تعالى : { من إله غير الله يأتيكم به } ، ولم يقل بها ، مع أنه ذكر أشياء ، قيل : معناه يأتيكم بما أخذ منكم ، وقيل : الكناية ترجع إلى السمع الذي ذكر أولاً ، ولا يندرج غيره تحته ، كقوله تعالى : { الله ورسوله أحق أن يرضوه } [ التوبة :62 ] . فالهاء راجعة إلى الله ، ورضا رسوله يندرج في رضى الله تعالى .

قوله تعالى : { انظر كيف نصرف الآيات } . أي : نبين لهم العلامات الدالة على التوحيد والنبوة .

قوله تعالى : { ثم هم يصدفون } ، يعرضون عنها مكذبين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمۡعَكُمۡ وَأَبۡصَٰرَكُمۡ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِهِۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ ثُمَّ هُمۡ يَصۡدِفُونَ} (46)

{ 46 ، 47 } { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ * قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ }

يخبر تعالى ، أنه كما أنه هو المتفرد بخلق الأشياء وتدبيرها ، فإنه المنفرد بالوحدانية والإلهية فقال : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ } فبقيتم بلا سمع ولا بصر ولا عقل { مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ } فإذا لم يكن غير الله يأتي بذلك ، فلم عبدتم معه من لا قدرة له على شيء إلا إذا شاءه الله .

وهذا من أدلة التوحيد وبطلان الشرك ، ولهذا قال : { انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ } أي : ننوعها ، ونأتي بها في كل فن ، ولتنير الحق ، وتتبين سبيل المجرمين . { ثُمَّ هُمْ } مع هذا البيان التام { يَصْدِفُونَ } عن آيات الله ، ويعرضون عنها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمۡعَكُمۡ وَأَبۡصَٰرَكُمۡ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِهِۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ ثُمَّ هُمۡ يَصۡدِفُونَ} (46)

ثم ذكرهم - سبحانه - بنعمه عليهم فى خلقهم وتكوينهم ، وبين لهم إذا سلبهم شيئاً من حواسهم فإنهم لا يتجهون إلا إليه فقال - تعالى - : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ . . .

المعنى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الجاحدين : أخبرونى إن سلب الله عنكم نعمتى السمع والبصر فأصبحتم لا تسمعون ولا تبصرون ، وختم على قلوبكم فصرتم لا تفقهون شيئاً ، من إله غيره يقدر على رد ما سلب منكم وأنتم تعرفون ذلك ولا تنكرونه فلماذا تشركون معه آلهة أخرى ؟ ثم التفت عنهم إلى التعجيب من حالهم فقال - تعالى - { انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ } أى : انظر كيف ننوع الآيات والحجج والبراهين فنجعلها على وجوه شتى ليتعظوا ويعتبروا ثم هم بعد ذلك يعرضون عن الحق ، وينأون عن طريق الرشاد .

والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَرَأَيْتُمْ } للتنبيه أى : إن لم تكونوا قد رأيتم ذلك فتبينوه وتأملوا ما يدل عليه .

والضمير فى { بِهِ } يعود إلى المأخوذ وهو السمع والبصر والفؤاد .

وفى قوله { انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ } تعجيب من عدم تأثرهم رغم كثرة الدلائل وتنوعها من أسلوب إلى أسلوب .

وجملة { ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ } معطوفة على جملة نصرف الآيات وداخلة فى حكمها ، وكان العطف بثم لإفادة الاستبعاد المعنوى ، لأن تصريف الآيات والدلائل يدعو إلى الإقبال ، فكان من المستبعد فى العقول والأفهام أن يترتب عليه الإعراض والابتعاد .

قال القرطبى : { يَصْدِفُونَ } أى : يعرضون . يقال : صدق عن الشىء إذا أعرض صدفا وصدوفا فهو صادف . فهم ماثلون معرضون عن الحجج والدلالات

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمۡعَكُمۡ وَأَبۡصَٰرَكُمۡ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِهِۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ ثُمَّ هُمۡ يَصۡدِفُونَ} (46)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىَ قُلُوبِكُمْ مّنْ إِلََهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ الاَيَاتِ ثُمّ هُمْ يَصْدِفُونَ } . .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء العادلين بي الأوثان والأصنام المكذّبين بك : أرأيتم أيها المشركون بالله غيره إن أصمكم الله فذهب بأسماعكم وأعمالكم فذهب بأبصاركم ، وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ فطبع عليها حتى لا تفقهوا قولاً ولا تبصروا حجة ولا تفهموا مفهوما ، أيّ إله غير الله الذي له عبادة كل عابد يأتيكم به يقول : يردّ عليكم ما ذهب الله به منكم من الأسماع والأبصار والأفهام فتعبدوه أو تشركوه في عبادة ربكم الذي يقدر على ذهابه بذلك منكم وعلى ردّه عليكم إذا شاء .

وهذا من الله تعالى تعليم نبيه الحجة على المشركين به ، يقول له : قل لهم : إن الذين تعبدونهم من دون الله لا يملكون لكم ضرّا ولا نفعا ، وإنما يستحقّ العبادة عليكم من كان بيده الضرّ والنفع والقبض والبسط ، القادر على كل ما أراد لا العاجز الذي لا يقدر على شيء . ثم قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : انْظُرْ كَيْفَ نُصَرّف الاَياتِ يقول : انظر كيف نتابع عليهم الحجج ونضرب لهم الأمثال والعبر ليعتبروا ويذكروا فينيبوا . ثمّ هُمْ يَصْدِفُونَ يقول : ثم هم مع متابعتنا عليهم الحجج وتنبيهنا إياهم بالعبر عن الادّكار والاعتبار يعرضون ، يقال منه : صدف فلان عني بوجهه فهو يَصْدِفُ صُدوفا وصَدفا : أي عدل وأعرض ، ومنه قول ابن الرقاع :

إذا ذَكَرْنَ حدِيثا قُلْنَ أحْسَنَه ***وهُنّ عنْ كُلّ سُوءٍ يُتّقَى صُدُفُ

وقال لَبيد :

يُرْوِي قَوامِحَ قبلَ اللّيْلِ صَادِفَةً ***أشباهَ جِنَ عَلَيْها الرّيْط والأُزُرُ

فإن قال قائل : وكيف قيل : مَنْ إلَهٌ غيرُ اللّهِ يَإِتِيكُمْ بِهِ فوحد الهاء ، وقد مضى الذكر قبل بالجمع فقال : أرأيْتُمْ إنْ أخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وأبْصَارَكُمْ وَختَمَ على قُلُوبِكُمْ ؟ قيل : جائز أن تكون الهاء عائدة على السمع ، فتكون موحدة لتوحيد السمع ، وجائز أن تكون معنيا بها : من إله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم من السمع والأبصار والأفئدة ، فتكون موحدة لتوحيد «ما » ، والعرب تفعل ذلك إذا كنت عن الأفعال وحدت الكناية وإن كثر ما يكنى بها عنه من الأفاعيل ، كقوله : إقبالك وإدبارك يعجبني . وقد قيل : إن الهاء التي في به كناية عن الهدى .

وينحو ما قلنا في تأويل قوله يَصْدِفُونَ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : يَصْدِفُونَ قال : يعرضون .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : يَصْدِفُونَ قال : يعدلون .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : قأخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : نُصَرّف الاَياتِ ثمّ هُمْ يَصْدِفُونَ قال : يعرضون عنها .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، السديّ : ثُمّ هُمْ يَصْدِفُونَ قال : يصدّون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمۡعَكُمۡ وَأَبۡصَٰرَكُمۡ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِهِۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ ثُمَّ هُمۡ يَصۡدِفُونَ} (46)

هذا ابتداء احتجاج على الكفار ، و { أخذ الله } معناه أذهبه وانتزعه بقدرته ، ووحد السمع لأنه مصدر مفرد يدل على جمع ، والضمير في { به } عائد على المأخوذ ، وقيل على السمع ، وقيل على الهدى الذي تضمنه المعنى ، وقرأ الأعرج وغيره «بهُ انظر » بضم الهاء ، ورواها المسيبي وأبو وقرة عن نافع ، و { يصدقون } معناه يعرضون وينفرون ، ومنه قول الشاعر : [ البسيط ]

إذا ذَكَرْنَ حديثاً قُلْنَ أحْسَنَهُ . . . وهنَّ عَنْ كُلِّ سُوءٍ يُتَّقَى صُدُقَا{[4922]}

قال النقاش : في الآية دليل على تفضيل السمع على البصر لتقدمه هنا ، ثم احتج لذلك بقوله : { إنما يستجيب الذين يسمعون } [ الأنعام : 36 ] وبغير ذلك ، والاستفهام في قوله : { من إله } معناه التوقيف ، أي ليس ثمة إله سواه ، فما بال تعلقكم بالأصنام وتمسككم بها وهي لا تدفع ضرراً ولا تأتي بخير ، وتصريف الآيات هو نصب العبر ومجيء آيات القرآن بالإنذار والاعذار والبشارة ونحوه .