معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (26)

قوله تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان } ، يعني : آدم عليه السلام ، سمي إنسانا لظهوره وإدراك البصر إياه . وقيل : من النسيان لأنه عهد إليه فنسي . { من صلصال } ، وهو الطين اليابس الذي إذا نقرته سمعت له صلصلة ، أي : صوتا . قال ابن عباس : هو الطين الحر ، الذي نضب عنه الماء تشقق ، فإذا حرك تقعقع . وقال مجاهد : هو الطين المنتن . واختاره الكسائي ، وقال : هو من صل اللحم وأصل ، إذا أنتن . { من حمإ } ، والحمأ : الطين الأسود ، { مسنون } أي : متغير . قال مجاهد وقتادة : هو المنتن المتغير . وقال أبو عبيدة : هو المصبوب . تقول العرب : سننت الماء أي صببته . قال ابن عباس : هو التراب المبتل المنتن ، جعل صلصالا كالفخار . وفي بعض الآثار : إن الله عز وجل خمر طينة آدم وتركه حتى صار متغيرا أسود ، ثم خلق منه آدم عليه السلام .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (26)

يذكر تعالى نعمته وإحسانه على أبينا آدم عليه السلام ، وما جرى من عدوه إبليس ، وفي ضمن ذلك التحذير لنا من شره وفتنته فقال تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ } أي آدم عليه السلام { مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ } أي : من طين قد يبس بعد ما خمر حتى صار له صلصلة وصوت ، كصوت الفخار ، والحمأ المسنون : الطين المتغير لونه وريحه من طول مكثه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (26)

والمراد بالإِنسان في قوله - سبحانه - { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن صَلْصَالٍ } آدم - عليه السلام - لأنه أصل النوع الإِنسانى ، وأول فرد من أفراده .

والصلصال : الطين اليابس الذي يصلصل ، أى : يحدث صوتاً إذا حرك أو نقر عليه ، كما يحدث الفخار قال - تعالى - { خَلَقَ الإنسان مِن صَلْصَالٍ كالفخار } وقيل : الصلصال : الطين المنتن ، مأخوذ من قولهم : صَلَّ اللحم وأصلَّ ، إذا أنتن . .

قال الإِمام ابن جرير : " والذى هو أولى بتأويل الآية ، أن يكون الصلصال في هذا الموضع ، الطين اليابس الذي لم تصبه النار ، فإذا نقرته صل فسمعت له صلصلة - وذلك أن الله - تعالى - وصفه في موضع آخر فقال : { خَلَقَ الإنسان مِن صَلْصَالٍ كالفخار } فشبهه - تعالى ذكره - بأنه كالفخار في يُبسِه ، ولو كان معناه في ذلك المنتن لم يشبهه بالفخار ، لأن الفخار ليس بمنتن فيشبه به في النتن غيره " .

والحمأ : الطين إذا اشتد سواه وتغيرت رائحته .

والمسنون : المصور من سن الشئ إذا صوره .

قال الآلوسى ما ملخصه : { من حمأ } أى : من طين تغير واسود من مجاورة الماء ، ويقال للواحدة حمأة - بسكون الميم - . . .

وقوله { مسنون } أى : مصوَّر من سُنَّة الوجه وهى صورته . وأنشد لذلك ابن عباس قول عمه حمزة يمدح النبى صلى الله عليه وسلم :

أغرُّ كأن البدرَ سنَّةُ وجهه . . . جلا الغيم عنه ضوؤه فتبددا

وقيل مسنون : " أى مصبوب ، من سنَّ الماء بمعنى صبه . ويقال شَنَّ - بالشين أيضاً - : أى : مفرغ على هيئة الإِنسان . . . وقيل : المسنون : المنتن . . . " .

والذى يتدبر القرآن الكريم يرى أن الله - تعالى - قد وضح في آيات متعددة أطوار خلق آدم - عليه السلام - ، فقد بين في بعض الآيات أنه خلقه من تراب ، كما في قوله - تعالى - { إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ . . . } وبين في آيات أخرى أنه - سبحانه - خلقه من طين ، كما في قوله - تعالى - { الذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ } وبين هنا أنه - سبحانه - خلقه { مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } .

قال الجمل : " وهذا الطور آخر أطوار آدم الطينية ، وأول ابتدائه أنه كان ترابا متفرق الأجزاء ، ثم بُلَّ - أى التراب - فصار طينا ، ثم ترك حتى أنتن وأسود فصار حمأ مسنونا .

أى : متغيرا ، ثم يبس فصار صلصالاً ، وعلى هذه الأحوال والأطوار تتخرج الآيات الواردة في أطواره الطينية ، كآية خلقه من تراب ، وآية { بَشَراً مِّن طِينٍ } وهذه الآية التي نحن فيها " .

والمقصود من هذه الآيات الكريمة ، التنبيه على عجيب صنع الله - تعالى - وعظيم قدرته ، حيث أخرج - سبحانه - الجملة الكريمة بلام القسم وقد ، لزيادة التحقيق ، وللإِرشاد إلى أهمية هذا الخلق ، وأنه بهذه الصفة .

و { من } في قوله { من صلصال } لابتداء الغاية أو للتبعيض ، وفى قوله { من حمأ } ابتدائية .

والجار والمجرور صفة لصلصال أى : من صلصال كائن من حمأ ، ومسنون صفة لحمأ .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (26)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ } .

يقول تعالى ذكره : ولقد خلقنا آدم وهو الإنسان من صلصال . واختلف أهل التأويل في معنى الصلصال فقال بعضهم : هو الطين اليابس لم تصبه نار ، فإذا نقرته صَلّ فسمعت له صلصلة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن مهديّ ، قالا : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : خلق آدم من صلصال من حمأ ومن طين لازب . وأما اللازب : فالجيد ، وأما الحَمَأ : فالحمأة ، وأما الصّلصال : فالتراب المرقّق . وإنما سمي إنسانا لأنه عهد إليه فنسي .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ قال : والصلصال : التراب اليابس الذي يسمع له صلصلة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حمأٍ مَسْنُونٍ قال : الصلصال : الطين اليابس يسمع له صلصلة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن صالح ، عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : مِنْ صَلْصَالٍ قال : الصلصال : الماء يقع على الأرض الطيبة ثم يحسِرُ عنها ، فتشقق ، ثم تصير مثل الخَزَف الرقاق .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : خُلق الإنسان من ثلاثة : من طين لازب ، وصلصال ، وحمأ مسنون . والطين اللازب : اللازق الجيد ، والصلصال : المرقق الذي يصنع منه الفخار ، والمسنون : الطين فيه الحَمْأة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثنا أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : هو التراب اليابس الذي يُبَلّ بعد يُبسه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن مسلم ، عن مجاهد ، قال : الصلصال : الذي يصلصل ، مثل الخَزَف من الطين الطيب .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك ، يقول : الصلصال : طين صُلْب يخالطه الكثيب .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : مِنْ صَلْصَالٍ قال : التراب اليابس .

وقال آخرون : الصلصال : المُنْتِن . وكأنهم وجّهُوا ذلك إلى أنه من قولهم : صَلّ اللحم وأصلّ : إذا أنتن ، يقال ذلك باللغتين كلتيهما : يَفْعَل وأَفْعَل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح وحدثني الحارث قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثنا الحسن ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : مِنْ صَلْصَالٍ الصلصال : المنتن .

والذي هو أولى بتأويل الاَية أن يكون الصلصال في هذا الموضع الذي له صوت من الصلصلة وذلك أن الله تعالى وصفه في موضع آخر فقال : خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ فشبهه تعالى ذكره بأنه كان كالفخّار في يُبسه . ولو كان معناه في ذلك المُنتِن لم يشبه بالفخار ، لأن الفخار ليس بمنتن فيشبّه به في النتن غيره .

وأما قوله : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ فإن الحمأ : جمع حمأة ، وهو الطين المتغَيّر إلى السواد . وقوله : مَسْنُونٍ يعني : المتغير .

واختلف أهل العلم بكلام العرب في معنى قوله : مَسْنُونٍ فكان بعض نحوييّ البصريين يقول : عُني به : حمأ مصوّر تامّ . وذُكر عن العرب أنهم قالوا : سُنّ على مثال سُنّة الوجه : أي صورته . قال : وكأن سُنة الشيء من ذلك : أي مثالَه الذي وُضع عليه . قال : وليس من الاَسن المتغير ، لأنه من سَنَن مضاعف .

وقال آخر منهم : هو الحَمَأ المصبوب . قال : والمصبوب : المسنون ، وهو من قولهم : سَنَنْت الماء على الوجه وغيره إذا صببته .

وكان بعض أهل الكوفة يقول : هو المتغير ، قال : كأنه أخذ من سَنَنْت الحَجَر على الحجر ، وذلك أن يحكّ أحدهما بالاَخر ، يقال منه : سننته أَسْنّه سَنّا فهو مسنون . قال : ويقال للذي يخرج من بينهما : سَنِين ، ويكون ذلك مُنْتنا . وقال : منه سُمّيَ المِسَنّ لأن الحديد يُسَنّ عليه .

وأما أهل التأويل فإنهم قالوا في ذلك نحو ما قلنا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عبيد الله بن يوسف الجبيري ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، قال : حدثنا مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : الحمأ : المنتنة .

حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : الذي قد أنتن .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك عن ابن عباس : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : منتن .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : هو التراب المبتلّ المنتنُ ، فجعل صَلصالاً كالفَخار .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء وحدثنا الحسن ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا شبل جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : منتن .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ والحمأ المسنون : الذي قد تغير وأنتن .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : قد أنتن ، قال : منتنة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : من طين لازب ، وهو اللازق من الكثيب وهو الرمل .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : الحمأ المنتن .

وقال آخرون منهم في ذلك : هو الطين الرّطْب . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ يقول : من طين رَطب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (26)

{ ولقد خلقنا الإنسان من صلصال } من طين يابس يصلصل أي يصوت إذا نقر . وقيل هو من صلصل إذا أنتن تضعيف صل . { من حمأٍ } طين تغير واسود من طول مجاورة الماء ، وهو صفة صلصال أي كائن { من حمأ } . { مسنون } مصور من سنه الوجه ، أو منصوب لييبس ويتصور كالجواهر المذابة تصب في القوالب ، من السن وهو الصب كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف ، فيبس حتى إذا نقر صلصل ، ثم غير ذلك طورا بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه ، أو منتن من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به ، فإن ما يسيل بينهما يكون منتنا ويسمى السنين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (26)

وقوله تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان } الآية ، { الإنسان } هنا للجنس ، والمراد آدم ، قال ابن عباس سمي بذلك لأنه عهد إليه فنسي ، ودخل من بعده في ذلك إذ هو من نسله ، و «الصلصال » : الطين الذي إذا جف صلصل ، هذا قول فرقة ، منها من قال : هو طين الخزف ، ومنها قول الفراء : هو الطين الحر يخالطه رمل دقيق .

وقال ابن عباس : خلق من ثلاثة : من طين لازب وهو اللازق والجيد ، ومن { صلصال } وهو الأرض الطيبة يقع عليها الماء ثم ينحسر فتشقق وتصير مثل الخزف ، ومن { حمإ مسنون } وهو الطين في الحمأة .

قال القاضي أبو محمد : وكان الوجه أن يقال - على هذا المعنى - صلال ، ولكن ضوعف الفعل من فائه وأبدلت إحدى اللامين من صلاص صاداً . وهذا مذهب الكوفيين ، وقاله ابن جني والزبيدي ونحوهما على البصرة ، ومذهب جمهور البصريين : إنهما فعلان متباينان ، وكذلك قالوا في ثرة وثرثارة . قال بعضهم تقول : صل الخزف ونحوه : إذا صوت بتمديد : فإذا كان في صوته ترجيع كالجرس ونحوه قلت : صلصل ، ومنه قول الكميت : [ البسيط ]

فينا العناجيج تردي في أعنتها . . . شعثاً تصلصل في أشداقها اللجم{[7161]}

وقال مجاهد وغيره : { صلصال } هنا إنما هو مأخوذ من صل اللحم وغيره : إذا انتن .

قال القاضي أبو محمد : فجعلوا معنى { صلصال } ومعنى { حمإ } في لزوم أنتن شيئاً واحداً .

قال القاضي أبو محمد : و «الحمأ » جمع حمأة وهو الطين الأسود المنتن يخالطه ماء . و «المسنون » قال معمر : هو المنتن ، وهو من أسن الماء إذا تغير .

قال القاضي أبو محمد : والتصريف يرد هذا القول . وقال ابن عباس : «المسنون » : الرطب .

قال القاضي أبو محمد : وهذا تفسير لا يخص اللفظة . وقال الحسن ، المعنى : سن ذريته على خلقه . والذي يترتب في { مسنون } إما أن يكون بمعنى محكوك محكم العمل أملس السطح ، فيكون من معنى المسن والسنان ، وقولهم : سننت السكين وسننت الحجر : إذا أحكمت تمليسه ، ومن ذلك قول الشاعر : [ الخفيف ]

ثم دافعتها إلى القبة الخضرا . . . ء وتمشي في مرمر مسنون{[7162]}

أي محكم الإملاس بالسن ، وإما أن يكون بمعنى المصبوب ، تقول : سننت التراب والماء إذا صببته شيئاً بعد شيء ، ومنه قول عمرو بن العاص لمن حضر دفنه : إذا أدخلتموني في قبري فسنوا علي التراب سناً ، ومن هذا : هو سن الغارة . وقال الزجاج : هو مأخوذ من كونه على سنة الطريق ، لأنه إنما يتغير إذا فارق الماء ، فمعنى الآية - على هذا - من حمأ مصبوب موضوع بعضه فوق بعض على مثال وصورة .


[7161]:العناجيج: جمع عنجوج، و هو الرائع من الخيل، وقد استعمل في الإبل أيضا، ولكن الوصف هنا للخيل، و معنى تردي أنها ترجم الأرض في عدوها، نقل صاحب اللسان عن الأصمعي قوله: إذا عدا الفرس فرجم الأرض رجما قيل: ردى بالفتح يردي رديا ورديانا، والشعث: التي تلبد شعرها واغبر، وصلصلة اللجام: صوته إذا ضوعف، قال الليث (ونقله عنه في اللسان): يقال: صل اللجام إذا توهمت في صوته حكاية صوت صل، فإن توهمت ترجيعا قلت: صلصل اللجام، وهو ما قاله ابن عطية هنا واستشهد عليه بالبيت.
[7162]:نسب هذا البيت إلى عبد الرحمن بن حسان، وذلك أن يزيد بن معاوية قال لأبيه: ألا ترى إلى عبد الرحمن يشبب بابنتك؟ فقال معاوية: ما قال؟ فقال: قال: هي زهراء مثل لؤلؤة الغ واص ميزت من جوهر مكنون فقال معاوية: صدق، فقال يزيد: إنه يقول: و إذا ما نسبتها لم تجدها في سناء من المكارم دون قال: وصدق، قال: فأين قوله: ثم خاصرتها إلى القبة الخض راء تمشي في مرمر مسنون قال معاوية: كذب. قال ابن بريك وتروى هذه الأبيات لأبي رهبل، وهي في شعره، يقولها في رملة بنت معاوية، وأول القصيدة: طال ليلى وبت كالمجنون و مللت الثواء بالماطرون. (راجع اللسان ـ سنن) فللخبر بقية.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (26)

تكملة لإقامة الدليل على انفراده تعالى بخلق أجناس العوالم وما فيها . ومنه يتخلص إلى التذكير بعداوة الشيطان للبشر ليأخذوا حذرهم منه ويحاسبوا أنفسهم على ما يخامرها من وَسْواسه بما يرديهم . جاء بمناسبة ذكر الإحياء والإماتة فإن أهم الإحياء هو إيجاد النوع الإنساني . ففي هذا الخبر استدلال على عظيم القدرة والحكمة وعلى إمكان البعث ، وموعظةٌ وذكرى . والمراد بالإنسان آدم عليه السلام .

والصلصال : الطين الذي يترك حتى ييبس فإذا يبس فهو صلصال وهو شبه الفَخّار ؛ إلا أن الفَخّار هو ما يبس بالطبخ بالنّار . قال تعالى : { خلق الإنسان من صلصال كالفخار } [ سورة الرحمن : 14 ] .

والحَمأ : الطين إذا اسودّ وكرهت رائحته . وقوله : { من حمإ } صفة ل { صلصال } و { مسنون } صفة ل { حمإ } أو ل { صلصال } . وإذ كان الصلصال من الحمأ فصفة أحدهما صفة للآخر .

والمسنون : الذي طالت مدة مكثه ، وهواسم مفعول من فعل سنّهُ إذا تركه مدة طويلة تشبه السّنة . وأحسب أن فعل ( سَن ) بمعنى ترك شيئاً مدة طويلة غيرُ مسموع .

ولعل ( تَسَنّه ) بمعنى تغيّر من طول المدّة أصله مطاوع سَنه ثم تنوسي منه معنى المطاوعة . وقد تقدم قوله تعالى { لم يتسنّه } في سورة البقرة ( 259 ) .

والمقصود من ذكر هذه الأشياء التنبيه على عجيب صنع الله تعالى إذ أخرج من هذه الحالة المهينة نوعاً هو سيد أنواع عالم المادة ذات الحياة .

وفيه إشارة إلى أن ماهية الحياة تتقوم من الترابية والرطوبة والتعفن ، وهو يعطي حرارة ضعيفة . ولذلك تنشأ في الأجرام المتعفّنة حيوانات مثل الدود ، ولذلك أيضاً تنشأ في الأمزجة المتعفّنة الحمى .

وفيه إشارة إلى الأطوار التي مرّت على مادة خلق الإنسان .

وتوكيد الجملة بلام القسم وبحرف ( قد ) لزيادة التحْقيق تنبيهاً على أهميّة هذا الخلق وأنه بهذه الصفة .